ارتبطت بقطاع حرس الحدود ارتباطاً روحياً، فوالدي رحمه الله كان يعمل في خفر السواحل آنذاك، قبل مجيئي للحياة، وعندما كنت طفلاً، تشربت حب هذا القطاع، لأن ذهابي مع والدي للمراكز الحدودية، وتمتعي بحديثه عن هذا القطاع وبالمهام المكلف بها كانت هي الرضعة الأولى في حب هذا القطاع، فوالدي كان قائداً لعدة مراكز حدودية في قطاع الجبيل، والحدود الشمالية الشرقية، ويساعده عمي رحمهما الله جميعاً، وكنت أشاهدهما وهم بالزي الرسمي يذهبان للعمل بكل نشاط وحيوية، يتقاسمان المعاناة الممزوجة بحب الوطن والولاء الوظيفي، فكثرة تنقلاتهم أكسبتهم خبرة وصلابة، ومنحهم صلاحيات كبيرة أكسبتنا اعتزازاً وافتخاراً بهما، والدي تقاعد بعد خدمة أربعة وعشرين سنة على إثر حادث سير، أثناء مطاردة أحد المهربين وأصيب في تلك الحادثة وفقد بصره، وعمي خدم ستة وثلاثين سنة في هذا القطاع وكان آخر المهام المكلف بها أمر للمراكز البرية التابعة لقطاع الجبيل، وكان تقاعده بعد والدي بعدة سنوات رحمهما الله جميعاً، وزاد معرفتي بهذا القطاع بعد تخرجي من كلية الملك فهد الأمنية وتعيين شقيقي الأصغر وزميل دورتي في قطاع سلاح الحدود آنذاك، وأيضاً ارتبطت بزملاء من ضباط قادة المراكز المحاذية للحدود الأردنية والعراقية، جمعنا سكن واحد أثناء عملي مديراً لجوازات منفذ طريف على الحدود الأردنية، فزادت معرفتي بهذا القطاع، وتكيفت مع معاناتهم الخطيرة، فقصص التهريب كان حديثنا وأسماء المجرمين المهربين عرفتهم فكنا نرصد تحركاتهم ونتحفز للقبض عليهم، فالحدود برية شاسعة، والإمكانيات لا تغطي، وشجاعة وفطنة رجال حرس الحدود لا تكفي، وهذا ما جعل التهريب يستمر بطرق مختلفة وبسرية تامة، وما حداني لمعرفة المزيد عن تطور هذا القطاع، هو عندما علمت عن المعرض المقام في مركز المعارض بالرياض من 13 إلى 17-7-1433 هـ بمناسبة مرور مائة عام على تأسيس هذا القطاع الحيوي، عندها قررت السفر والمجيء لزيارة هذا المعرض وكان هدفي الوحيد هو معرفة تفاصيل المشروع الوطني الضخم، مشروع السياج الأمني الذي تم تنفيذ مراحله الأولى على حدودنا مع دولة العراق، وكان في مخيلتي بأن السياج ليس سوى شبك حديدي مثل الشبك المعمول به على الطرق السريعة، ومغطى بأجهزة إنذار مبكر، ولكن بعد دخولي المعرض، أرشدني أحد منسوبي حرس الحدود عن الركن الخاص بالسياج الأمني، وعندما وصلت لهذا الركن الهام، عرفت الكثير والكثير عن مزى هذا السياج، فضخامة هذا المشروع صححت لدي المعلومات وما شاهدته يختلف اختلافاً جذرياً عما كان في بالي، فالسياج الذي شاهدته ضخم جداً يبدأ بحاجز أمامي يبعد عن حدود الدولة المجاورة ما بين 50 م إلى 300 م وهذا الحاجز عبارة عن صبات خرسانية مغطاة بعقم ترابي وبعده شبك شائك يبعد عنه ما بين 50 م إلى 300 م، وبعد الشبك الشائك شبك أمامي يبعد عنه ما بين 50 م إلى 100م وبعد الشبك الأمامي طريق معبد (خاص بدوريات حرس الحدود)، يفصل بينهما ما بين 50 م إلى 100م، ومن الطريق المعبد إلى الشبك الخلفي من 700 م إلى 10.000م، وبين الشبك الخلفي إلى الحاجز الخلفي (وهو عبارة عن صبات خرسانية مغطاة بعقم ترابي) 10.000م ومن الحاجز الخلفي إلى الطريق الدولي 50،000م، هذا فقط عرض السياج الأمني، وهناك أجهزة رصد إلكترونية حولت هذه الحدود إلى حدود ذكية وفق منظومة أنظمة متكاملة، ترصد التحركات في عمق الحدود لمسافة تزيد عن خمسة وعشرين كيلو متراً، فالكاميرات الحرارية والنواظير الليلية والرادارات مرتبطة بغرفة سيطرة، جعل هذه الحدود مؤمنة إلكترونياً، ويمكن للقيادة في مدينة الرياض مشاهدة أي حدث على الحدود مباشرةً، وتم توزيع هذه الأجهزة على الحدود على مسافات لا تزيد عن عشرين كيلو متراً، وهناك أجهزة متحركة داعمة للأجهزة الثابتة. فهذا جزء مما عرفته عن هذا المشروع الضخم، وقد أثرى معلوماتي أيضا أحد المسؤولين المنفذين لهذا المشروع وهو النقيب/ بان ميتشا لتشيك من الشرطة الاتحادية الألمانية، وهو أحد الفريق الاستشاري لهذا المشروع في المملكة، وعرفت منه بأن هذا السياج سينفذ على كافة حدود المملكة في مدة لا تتجاوز سبع سنوات، وعرفت منه أيضا بعض الصعوبات التي تواجههم في تنفيذ مثل هذا المشروع، وقال لي كلمة أثناء حواري معه ليست من باب المجاملة وإنما علمت بأنها حقيقية يجب أن نفتخر بها حيث قال عند ما ينتهي هذا المشروع ستكون المملكة أفضل من ألمانيا في حماية حدودها بطريقة حديثة، أمضيت أكثر من نصف ساعة معه في حوار دقيق عن تفاصيل هذا المشروع، ومع ذلك أشعر بأنني لم أشبع رغبتي في معرفة المزيد عن هذا الصرح الشامخ، فكنت أتساءل لماذا يتم عرض تفاصيل هذا المشروع في هذا المعرض؟!، أليس هذا يعتبر ثغرة أمنية قد تستغل إذا عُرف تفاصيل هذا المشروع؟!.
ولكن تداركت الأمر عندما تذكرت رجاحة عقل قيادتنا الحكيمة، ومنها اتضح لي المغزى من عرض هذا المشروع بكل تفاصيله، فالوقاية خير من العلاج، ومعرفة تفاصيل هذا المشروع يخلص المملكة حتى من مجرد التفكير في تجاوز حدودها بطريقة مخالفة، أو يهرب عن طريقها الممنوعات، وسنلاحظ في المستقبل القريب بإذن الله بأن مؤشر التهريب عبر حدود المملكة الشاسعة سيتجه نحو الصفر وسيكون قصص التهريب من حديث الماضي بإذن الله، وسوف ينعكس تأثير هذا المشروع الضخم إيجاباً على المنظومات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية، وأيضاً على المنظومة السياسية، وأنا أؤيد الكاتبة/ هند المسند عندما ذكرت في مقالها الذي كتبته في نشرة حرس الحدود المصاحبة لاحتفاليته المئوية، بأن لحرس الحدود سهماً في رفع اقتصاد الدولة، وأدعم رأيها موضحاً بأن المخدرات طوال السنوات الماضية، تدمر أهم مكونات المنظومة الاقتصادية وهو العنصر البشري، وتستنزف اقتصاد الدولة لأنها تكافح هذا التهريب، وتعالج آثاره على المواطن وأسرته، والمخدرات يسهل تهريبها عبر الحدود مقارنة بالثغرات الأخرى، ولكن بعد هذا المشروع الضخم سيكون تهريب المخدرات عبر هذه الحدود بإذن الله شبه مستحيل، والمعرض أبرز لنا إنجازات حرس الحدود وإمكانياته، فالرجال القائمون عليه وضعوا لمسات علمية رائعة وضحت حجم هذا القطاع، وقد شدني في هذا المعرض ثلاثة أركان إضافة لركن السياج الأمني، فالركن الأول هو ركن شهداء الواجب، وقد رصد فيه كل المتوفين على رأس العمل اعتباراً من عام 1385هـ حتى يومنا هذا، وقد تأثرت كثيراً عند هذا الركن وخاصة عندما تفحصت الأسماء ووقع نظري على زميلي المقدم/ حزام القحطاني الذي توفاه الله قبل ثلاث سنوات إثر حادث على رأس العمل، وأيضاً ابن العم اللواء عبدالجليل العتيبي، الذي توفي العام الماضي نتيجة طلق ناري من أحد المجرمين الهاربين عن وجه العدالة، فمن منا لا يوجد له قريب أو زميل أو صديق أو معرفة بأحد رجال الأمن البواسل، وتكريم هؤلاء الأبطال هو تكريم للشعب السعودي بأكمله، وهذا الركن ينطلق منه أكثر من رسالة إيجابية للمجتمع، فالقطاع الذي يكرم شهداء الواجب هو بالطبع يكرم أسرهم والشعب السعودي بأكمله، وأيضاً شدني الركن الثاني وهو ركن المضبوطات، ومنها عرفت حجم الحرب التي تخوضها المملكة ضد دول معادية تغزونا بالمخدرات وبالممنوعات وخاصة الأسلحة والمتفجرات، وقد نتج عن هذه الثغرة في الحدوددمير عقول آلاف المواطنين وخاصة عماد المستقبل الشباب، وانسحب أثره على أسرهم بالتفكك والضياع، وأيضاً كانت هذه الثغرة قد سهلت في وصول أنواع الأسلحة والمتفجرات لأيدي الإرهابيين، ونتج عنها تفجير الكثير من المنشآت الحيوية وزعزعوا الأمن لدينا، وفقدنا الكثير من رجال الأمن البواسل في كثير من القطاعات الأمنية وخاصة قطاع حرس الحدود، فهؤلاء الرجال يدافعون عن حياض الوطن، فندعو الله لهم بالرحمة والغفران، فالعدو يغزونا في الخفاء ولكن يقظة قيادتنا الحكيمة أوصلتهم إلى فكرة وضع السياج الأمني، لحماية أبناء هذا الوطن ومؤسساته من ضربات العدو المدمرة، وأيضاً أعجبني ركن الرسائل العلمية ومنها استشعرت بأن المسؤولين بوزارة الداخلية وقادة حرس الحدود يدركون جيداً بأن معالجة قضايا القطاع واستشراف مستقبله لا تقوم إلى على أسس علمية، وهذه المنهجية تبشر بمستقبل مشرق لهذا القطاع الحيوي، وحتى لا أكون مبالغاً أقول إن المعرض نفذ بطريقة رائعة، ولا ينقصه سوى زيادة الوعي لدى المواطن، فالمواطن هو أهم تركيبة في الدولة، وإيصال الرسالة التوعوية له لا تأتي في مدة وجيزة لا تتجاوز أسبوعاً واحداً، ولكن أتمنى أن يكون هناك معرض دائم لقطاع حرس الحدود مع بقية قطاعات وزارة الداخلية، وبما أن معالي مدير عام حرس الحدود علق الحرس بطريقة ناجحة بكل المقاييس، أتمنى من معاليه أن يحقق رغباتنا في معرض دائم، يزيل الغموض عند الكثير من المواطنين، فهم لا يعرفون شيئاً عن هذا القطاع الحيوي، وهذا الأمر ملفت للنظر، لذا أضع بين أنظار معاليه مقترح لهذا المسار، وأشعر بأنني سأجد دعماً من معاليه يتحقق عبرها أمنية ملايين المواطنين، وهذا المقترح يتمحور حول وضع اللبنة الأولى لمعرض دائم لقطاعات وزارة الداخلية، فهناك موقع يعتبر مناسباً لمثل هذه المعارض وهي عبارة عن قطعة أرض كبيرة تقع شمال نادي الضباط وتعود ملكيتها لأمانة مدينة الرياض، وإنشاء معرض لقطاعات وزارة الداخلية في هذا الموقع سيخدم جوانب عديدة منها الجانب الاستراتيجي في التوعية الأمنية، وأيضاً الجانب السياحي والثقافي، وكذلك الجانب الاقتصادي، فالمعرض سيكون نافذة مهمة تطل على أحدث التقنيات العالمية في المبتكرات الأمنية، وأيضاً ستعكس هذه النافذة صورة إيجابية عند المواطن وعند ضيف الدولة عندما يشاهدون تطور القطاعات الأمنية، وقرب هذا الموقع بنادي الضباط مفيد، لأن منشآت النادي كالمسرح وصالات الاتفالات ستكون داعمة لهذا المعرض في ندواته واستقبال الضيوف، والمعرض الدائم على مدار السنة أقترح أن يكون نشاطه نهاية كل أسبوع فقط من صباح الأربعاء الساعة الثامنة صباحاً حتى مساء الجمعة الساعة العاشرة مساء، بحيث يكون صباح الأربعاء مخصصاً لضيوف الدولة، ومساء الأربعاء للعوائل، ويوم الخميس للنساء فقط (بإدارة نسائية)، والجمعة للرجال فقط، فطلبة المدارس بنين وبنات هم أعمدة المستقبل، فالطالبة الصغيرة اليوم هي ابنة رجل أمن، وأخت رجل أمن، وفي المستقبل زوجة رجل أمن، ووالدة رجل أمن، فتوعيتها ضرورة ملحة، لأن تأثيرها على رجل الأمن قوي جداً، فالتأثير قد لا يكون ملاحظ عند الكثير، ولكن الخبراء المختصون يدركون جيداً مدى تأثير المرأة على الرجل، فالأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق، وأيضاً الطالب الصغير هو ابن رجل أمن وأخ لرجل أمن وفي المستقبل هو رجل أمن ووالد رجل أمن، فتوعيته أيضا ضرورة تتطلبها الرؤية التي تستشرف المستقبل بطريقة منطقية، ويمكن أن يكون هناك راع رسمي كل سنة لهذا المعرض، وهذا المقترح أضعه على طاولة معالي الفريق زميم السواط وكلي أمل أن يدعم معاليه هذا المقترح حتى يحظى بموافقة سمو وزير الداخلية، ونرى حلم اليوم يتحقق بوجود معرض دائم لقطاعات وزارة الداخلية، وأيضاً أضع على طاولة معاليه ورقة أخرى وفيها مقترح بأن تكون البحوث العلمية التي يقوم بها منسوبو القطاع المبتعثين للدراسة تركز على بعض المتطلبات، كمعرفة درجة وعي المواطن بقطاع حرس الحدود، وأيضاً الرؤية المستقبلية لهذا القطاع، وكذلك معرفة أسباب الحوادث التي يتعرض لها منسوبو قطاع حرس الحدود، وكيفية معالجتها، ويندرج تحت هذا التساؤل الأخير محاور مهمة ومنها معرفة المهام المكلف بها المنتسب لهذا القطاع وهل تتناسب مع فئته العمرية؟ وهل لمعرفة السيرة الذاتية لمنسوبي قطاع حرس الحدود دور في الحد مع عدد الحوادث التي يتعرضون لها؟ وكذلك هل الدورات التدريبية المتخصصة لمنسوبي القطاع تقلص مثل هذه الحوادث؟ وهل السياج الأمني إذا شيد على جميع حدود المملكة سيحد من عدد هذه الحوادث؟، وختاماً نحمد الله كثيراً على سياسة قيادتنا الواعية، الحانية على شعبها، فبعض الشعوب ابتليت بقيادات مجرمة تستنزف مدخرات شعوبها وتضطهدهم من أجل التمسك بكرسي الرئاسة فتجرعت هذه الشعوب المسكينة ألوان التنكيل، من قتل وتشريد واغتصاب وهدم للمنازل وحرق للمزارع، فالخوف ولذل هو السائد في هذه الدول، ولكن نحن نعيش ولله الحمد أعواماً سمان من الأمن والرخاء والتنمية، في هذه السنوات العجاف التي تعصف بأغلب دول العالم الإسلامي، فقيادتنا تسخر مدخرات هذا الوطن في التنمية المستدامة، فالجامعات والمدن الاقتصادية، وبناء مؤسسات الدولة على أحدث طراز، وتطوير الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، شواهد على التوزيع العادل لثروة الوطن، وأيضاً الطفرة العلمية المتمثلة بالابتعاث ودعم الجامعات الحديثة بكافة الإمكانيات، أيضا شواهد على أن قيادتنا تدرك بأن الوطن يمر بمرحلة مفصلية نحو المزيد من التطور والازدهار، وآخر ما شاهدته من الإنجازات هو مشروع السياج الأمني، الذي يغطي كافة حدود المملكة، والهدف من هذا السياج هو حماية المواطن من المخدرات، وحماية الوطن من المجرمين الذين يهربون أنواع الأسلحة بهدف زعزعة الأمن الداخلي، فشكراً لقيادتنا على اهتمامهم بنا، وشكراً لهم على هذا التوازن في إدارة شؤون الدولة.
- حوطة سدير