نجحت صحيفة (الجزيرة) كعادتها في استضافة الشخصيات المهمة في حياتنا الاجتماعية، والمؤثرة في حركتنا التنموية تحت قبتها المضيئة بالحوار الواعي والسؤال الجريء والتغطية الشاملة لكل أبعاد القضية، أو المسألة، أو عمل الجهة المرتبطة بالشخصية المستضافة، وقبل أيام كان لقاء (الجزيرة) بمعالي الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بإدارة سعادة رئيس التحرير الأستاذ خالد المالك ومشاركة مسئولي تحرير وكتّاب الصحيفة، وذلك على مدار أربع حلقات حفلت بالمعلومات الثرية عن أعمال الهيئة وبرامجها التطويرية، كما عكست العقلية الإدارية الإيجابية، التي تحكم التوجُّهات الجديدة للهيئة على مستوى الرئاسة وأداء الأعضاء والأعمال الميدانية اليومية، وبهذا تعزّز كل الخطوات السابقة التي اجتهد فيها رؤساء الهيئة السابقون.
حوار قبة (الجزيرة) مع رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تناول عدة ملفات وناقش مجموعة قضايا تتقاطع فيها أعمال هذه الهيئة المباركة مع شرائح اجتماعية وجهات حكومية ومؤسسات مدنية، ومنها العلاقة القائمة بين الهيئة والإعلام وبالذات الصحافة المحلية اليومية، وهي العلاقة التي شهدت في السنوات الأخيرة توتراً واضحاً بين الطرفين، خصوصاً مع وقوع أحداث وتداعياتها تكون الهيئة طرفاً فيها، فتتحوّل من مشارك في الواقعة أو الحادثة إلى خبر مثير على واجهة الصحيفة! ولكن الجميل أنّ الحوار كشف رغبة ضمنية صادقة لكل طرف في شراكة حقيقية مع الآخر، بحيث تتحوّل إلى تعاون مثمر ينعكس إيجاباً على المجتمع والدولة بشكل عام، ما يتطلّب تحديد الإطار النظري على الأقل الذي يحكم تلك الشراكة، وأعني به تحديد الموقف من الهيئة ليس من قِبل الإعلام بوسائله المختلفة، إنما من قِبل فئة من كتاب الرأي، الذين استغلوا زوايا وأعمدة في صحافتنا المحلية لزيادة حالة التوتر بين الهيئة والإعلام لدرجة الاحتقان، من خلال البلبلة المستمرة حول طبيعة دور الهيئة ومهامها ومسئولياتها، التي ربما تتداخل مع بعض مهام ومسؤوليات جهات حكومية أو أمنية، ما يعكس تناقضاً في منطق أولئك الكتّاب من الهيئة، وبالتالي بناء موقفهم على رؤية غير سليمة أو دقيقة، وبالذات في جانب النقد الحاد للهيئة.
يبدو منطق أولئك الكتّاب المتناقض في تحديد رؤيتهم من طبيعة الهيئة، وبالتالي اضطراب موقفهم بين السلبي والإيجابي، فتارة يبرّرون نقدهم الحاد للهيئة ولأداء أفرادها بأنها جهة حكومية كبقية جهات الدولة، التي تتعرّض يومياً لنقد الإعلام وهجوم الصحافة بخصوص أداء منسوبيها، ومشاريعها وأعمالها وخدماتها للمواطنين، وأنه لا جهة حكومية فوق النقد، وبذلك يحق للصحافة وكتّاب الرأي نقدها. وتارةً أخرى يشنّون هجومهم الشرس على أفراد جهاز الهيئة بطريقة سلبية متطرّفة، بحجّة أنهم يمثلون رجال الدين في هذه الشعيرة العظيمة، وأنّ أخطاءهم وتصرفاتهم تسيء للصورة الذهنية الإيجابية عن المتديّن! وكأنّ أفراد الهيئة مطالبون أن لا تصدر منهم أخطاء أو زلاّت!
بين الموقفين تلحظ تناقضاً عجيباً، وهو ما يجعل الجدل مستمراً بين المدافعين عن الهيئة ومهاجميها، رغم أنّ الموضوعية والواقعية تقول بأن يتعامل الكاتب أو الصحافي مع الهيئة باعتبارها جهازاً حكومياً، وأنّ أفراده موظفون كبقية موظفي الدولة في جميع أجهزتها وبالذات الجماهيرية أو الخدمية، وعليه هم معرضون للخطأ ويعتريهم التقصير، فهم قبل كل شيء بشر غير معصومين، المهم أن تكون الأخطاء غير مقصودة، أو أن لا تكون نتيجة إهمال أو عدم تقيد بالتعليمات. وبالتالي هم مثل غيرهم من موظفي الدولة ينبغي أن يُحاسبوا على أخطائهم أو تقصيرهم، فانتماؤهم لهذا الجهاز الذي يعمل على نشر الفضيلة بمحاربة الرذيلة بكل صورها، لا يمنحهم خصوصية أو حالة مميّزة أو اعتبار معيّن. بل إنّ محاسبتهم وإعلانها تعطي طمأنينة لعموم الناس أنّ القيام بشرف خدمة الدين لا يعني أنه فوق النقد أو بمعزل عن العقاب في حالة الخطأ.
ولعلنا تابعنا في الأيام القريبة الفائتة (حادثة مطاردة بلجرشي)، التي راح ضحيتها قائد السيارة يرحمه الله، وإصابة أفراد عائلته شفاهم الله، حيث تم اتهام الهيئة بطريقة (متهم حتى تثبت براءته) من قِبل بعض صحفنا المحلية، فضلاً عن كتّاب رأي مغرّدين بشكل متطرّف! فيما اتضح لاحقاً من بيان إمارة الباحة أنّ الدوريات الأمنية هي التي طاردت المواطن وعائلته، والهيئة حضرت بعد ذلك، ما يعكس الرغبة المسبقة في الإدانة بغضّ النظر عن الحقيقة.
محمد بن عيسى الكنعان