ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Sunday 22/07/2012 Issue 14542 14542 الأحد 03 رمضان 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

في تصريحه لصحيفة عكاظ، يوم الخميس 29-8-1433هـ، أكد عضو هيئة كبار العلماء في المملكة فضيلة الشيخ قيس المبارك أنه يجب التثبت من شهادة الشهود على رؤية الهلال، مستدلاً بقول أبي الوليد الباجي: “فيعتبر فيه من صفات الشهود، وعددهم، واختصاص ثبوته بالحكام، ما يعتبر في سائر الشهادات”، فيجب أن تخلو الشهادة

عما يوجب إسقاطها من موجبات إسقاط الشهادة، وهذا يعني أنه يقدح في شهادته كل أمر تسقط به الشهادة، فترد الشهادة إذا فقدت صفة من الصفات الواجبة فيها، وترد الشهادة كذلك إذا خالفت المشهود المحسوس، بل للقاضي أن يرد الشهادة بعلمه إذا علم بطلانها، أو مخالفتها للحس، وهذا مجمع عليه كما قال ابن عبد البر.

ثم علّق فضيلة الشيخ على ما سبق بقوله: في مسألتنا فإن القاضي، وإن حرم عليه في القضاء أن يقضي بعلمه، غير أن الواجب عليه أن يتحرى في الشهادة، ويبحث عن أحوال الشهود، وله أن يستند إلى علمه في تعديلهم، وفي تجريحهم، وفي رد شهادتهم إذا خالفت المحسوس والمشهود، وكذلك إذا خالفت المقطوع به من دلالة علم الحساب، ومنازل سير القمر، على عدم إمكان رؤية الهلال، فترد شهادتهم إذا كانت الرؤية مستحيلة عقلاً، أو عادة، فتجريـحه للشهود، أو تعديله لهم، ليس من باب القضاء، وإن توقف القضاء عليه. فمن واجبات القاضي: أن يتثبت من نظر الشاهد، وحدة بصره، ومن معرفته بمطالع القمر، ودرجة ارتفاعه فوق الأفق، وانحرافه؛ ذلك أن الشاهد لو شهد أنه رأى الهلال، وكان ذلك قريباً من كبد السماء، أو منحرفاً إلى غير جهة المغرب، أو في اليوم السابع والعشرين، فهذا يحكم ببطلان شهادته؛ لأنه إن كان ثقة وعدلاً فلا شك في أنه واهم، فقد يكون رأى نجماً آخر، أو كوكباً غير الهلال، أو غير ذلك، فالعين قد تري الإنسان ما لا حقيقة له.

وختم قوله في إطار مجمل الضوابط التي تنظم تلك الجدلية: فمنع الفقهاء العمل بالحساب في ثبوت الشهور لا يعني إلغاء العمل بالحساب، فالعمل بالحساب جاءت به الشريعة، فهو علم مطلوب، ومحتاج إليه في كثير من المسائل، مثل: معرفة مواقيت الصلاة، وغيرها، فكيف لا يكون مطلوباً في إبطال الشهادة، إذا خالفت الحسابات الفلكية المقطوع بها.

وحين يختلف رأي عن باقي الآراء سرعان ما يُطلق عليه وصف “الشاذ”، ويكون الرأي - حينئذ - غير مرغوب فيه، مع أنه يجب الرجوع إلى أهل الاختصاص في كل فن من فنون العلم، كما أمرنا بذلك الله - عز وجل - {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}, وبالتالي يجب عدم إغفال أقوال أهل الاختصاص في هذا الجانب، وهم الفلكيون، كما يجب الأخذ بالنتائج الفلكية، التي لا تتعارض مع النصوص الشرعية من كتاب الله تعالى، ومن سنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.

وعلى سبيل المثال، فإن قول بعضهم: إن الأخذ بالعلم الفلكي يتعارض مع قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: “إنا أمة أمية لا نكتب، ولا نحسب، الشهر هكذا، وهكذا..”, وقوله - صلى الله عليه وسلم -: “صوموا لرؤيته، وافطروا لرؤيته”، فتأمل معي كلام عضو هيئة كبار العلماء فضيلة الشيخ عبد الله بن منيع، حين دحض هذه الشبهة: فقوله - صلى الله عليه وسلم -: “إنا أمة أمية لا نكتب، ولا نحسب، الشهر هكذا، وهكذا”.. إلى آخره تقرير لواقع المسلمين في عهد رسول الله - صلى عليه وسلم - وأن الغالب عليهم صفة الأمية، وأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها، فمتى كان الأمر عسيراً أو متعذراً تحقيقه، فيصار فيه إلى قدر الإمكان؛ حيث إن الأمر إذا ضاق اتسع، أما إذا كان الطريق إلى تحقيقه متيسراً، وميسراً، فيجب الأخذ بذلك. ولا شك أن الرخص الشرعية مشروط الأخذ بها بوجود العذر في وقت التكليف بأدائها، فإذا انتفى العذر انتفت الرخصة، وتعين الرجوع إلى أصل التكليف. والأمثلة على ذلك كثيرة، ومنها: انعدام الماء لجواز التيمم، وبطلانه في حال وجود الماء مع إمكان استعماله.

إلى أن قال: وقد تغيرت أحوال المسلمين من جهل إلى علم، ووجد في المسلمين الكثير من ذوي الاختصاصات العلمية في الطب، والهندسة، والفلك، والفيزياء، والأحياء، وعلوم الذرة، والطاقة، وغيرها من علوم التقنية، فلا يجوز لنا الاعتماد في أمورنا الشرعية على الأسباب التقليدية الظنية في النتائج، والحال أن لدينا وسائل نتائجها قطعية.

بل يكاد ينعقد الإجماع بين علماء الشريعة المهتمين بعلم الفلك على أهميته؛ نظراً لتطور علم الفلك، وتطهيره من أفكار الدجل، والشعوذة، والكهانة، واعتقاد تأثر حوادث الأرض بحركات الكواكب.. إلخ. وعليه، فلا يجوز القدح في علماء الفلك، أو التشكيك في قدرتهم بمجرد الأوهام، والخيالات، كما لا يمكن إجماعهم على الخطأ في هذا العلم المتقدم، الذي أثبت صحة ما يخبرون به في مدة الخسوف، والكسوف، ووقت شروق الشمس، ووقت غروبها، وتعامد الشمس في كبد السماء، وكل ما يتعلق بالعلم الفلكي البحت، رغم أنهم يخبرون عن ذلك قبل وقوعه بزمن طويل، وهو ما قاله الشيخ عبد المحسن العبيكان، بل إن شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - قرّر أن خبر الحاسب بالكسوف والخسوف ليس من علم الغيب، ولا من الكهانة، والتنجيم. وتأمل قوله - رحمه الله - في الفتاوى (4 - 425): “وأما العلم بالعادة في الكسوف والخسوف فإنَّما يعرفه من يعرف حساب جريانهما، وليس خبر الحاسب بذلك من باب علم الغيب، ولا من باب ما يخبر به من الأحكام، التي يكون كذبه فيها أعظم من صدقه”، وبمعنى ذلك قال ابن هبيرة.

بقي أن أقول: لم يكن مستغرباً بعد ذلك كله أن تنشر إحدى المجلات المحلية، في 22-8-1433هـ، مقالاً بعنوان: “أدعياء علم الحساب الجهلة، يشوشون على الناس في كل عام”؛ من أجل تضليل الناس عن القضية العلمية المثارة، رغم أنّ المحك، وهو ما يطالب به “أدعياء علم الحساب” كما يزعمون، هو الرؤية الشرعية الصحيحة للهلال بعيد المغيب، فالهلال لا يُرى إلاّ بشروط، أهمها: ولادته، ومكثه بعد غروب الشمس، وهذان الشرطان يعرفهما علماء الفلك بكل دقة، تصل إلى أجزاء من الثانية؛ لتأتي النتائج القطعية مصداقاً لقول الله تبارك وتعالى: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ}، أي بحساب دقيق جداً.

drsasq@gmail.com
 

جدلية العلاقة في حساب الأهلّة..قيس المبارك أنموذجاً!
د.سعد بن عبدالقادر القويعي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة