مروجو المخدرات حول العالم يتباينون، منهم أفراد يبيعون القليل من الحشيش ومنهم إمبراطوريات مخدرات ضخمة، مثل العصابات المكسيكية التي تعيث الآن فساداً في المكسيك بل جنوب أمريكا كلها وهي من أقساها قلباً وأعنفها فلا تتردد عن القتل والتعذيب والتمثيل بالجثث لأي شخص يقف في طريقهم، ولو كان ذا نفوذ أو شهرة أو مال، وهؤلاء لديهم شبكات كاملة من الجواسيس المتغلغلين والقتلة المأجورين والشرطة المرتشين والسياسيين المتعاونين، ولديهم أنفاق تحت الأرض وميزانيات هائلة وقدرات ضخمة، ولكن رغم هذا فلا يتحكمون بنفس النسبة من المخدرات التي تحكم بها ويليام بيكارد لوحده!
من هذا الرجل يا ترى؟ إنه ليس مجرماً أشعث أغبر عاش حياته في السجون وملاجئ الأيتام، بل هو خبير في الكيمياء يشار إليه بالبنان وكان مدير الأبحاث في جامعة بيركلي العريقة في كاليفورنيا. أمه خبيرة أمراض الفطريات في مركز مكافحة الأمراض -وهي هيئة تتبع وزارة الصحة الأمريكية-، ووالده محام، والمحاماة مهنة مرموقة في أمريكا، وهكذا أتى بيكارد من عائلة متعلمة ميسورة وصار هو بنفسه من العلماء، ولكن كما يقولون لا تحكم على الكتاب من غلافه، فلأسباب غير واضحة تماماً عزم بيكارد على دخول مجال المخدرات، فتحالف بيكارد مع تاجر ثري تخصص في بيع مادة ماريوانا المخدرة واشترى الشريك مستودعاً ضخماً كان يُستخدم لتخزين الأسلحة النووية وحوّله بيكارد إلى مصنع لنوع صعب التصنيع من المخدرات وهو «إل إس دي»، أو ما يُعرف بعقار الهلوسة.
إنتاج بعض أنواع المخدرات لا يحتاج الكثير من الخبرة فتؤخذ بعض النباتات وتعالج بطريقة معينة وتُباع، أما عقار الهلوسة فيحتاج دقة وخبرة بالغتين لأنه يُمزج من الكيمياء الصافية ولا يُستخلص من النبات، ولهذا اعتمد بيكارد على خبرته العميقة في الكيمياء وأخذ في تصنيع المخدر المهلوس. ما هو مدهش هو أن بيكارد صنع كمية ضخمة من المخدرات. تتساءل عن مدى ضخامتها؟ بدءًا من عام 1991م كان بيكارد يصنع تسعة أعشار عقار الهلوسة في العالم كاملاً! ظل بيكارد وشريكه يحصدان مالاً عظيماً والطلبات تأتيهم من شتى الدول والقارات، فقد كان بيكارد يصنع كيلوجراما واحدا من عقار الهلوسة كل 5 أسابيع ويبيعه بثلاثة ملايين دولار، إلى أن لاحظ بيكارد في شريكه المتهور خطراً على تجارتهم لأنه مقامر متعصب وسبَّب ضجة في أحد نوادي القمار ذات مرة، فلما قلق بيكارد من ذلك آثر أن يفض الشراكة ويفترقا وكان هذا عام 2000م، فاستأجر شاحنة وأخذ ينقل أدواته من المصنع إلى مكانٍ آخر ليستقل عن شريكه الأهوج، ولما كان في الطريق أثناء ذلك استوقفته سيارة شرطة اشتبهت في أمر شاحنته ووجدوا معه أدوات مخدرات، حينها اتجهوا لشريكه وقبضوا عليه فانهار الشريك وعرض أن يتعاون معهم وأن يشهد ضد بيكارد فوافقوا وأطلقوا سراحه بعد تعاونه رغم أنه هو مالك المصنع ولكن بيكارد رأس الأفعى الذي أرادوه، وذهب بيكارد للسجن الذي سيمكث فيه إلى الثامن من مايو من عام 2029م، ولما قبضوا عليه اندثر 90% من العقار المهلوس حول العالم!
في الحقيقة إن هذا إنجاز كبير، لكنه إنجاز من نوع خاطئ. لا أدري ما الذي حَدَا بهذا الذكي لأن يدخل مجال الجريمة، ولو أنه أعمل عقله في مجال الخير لربما تميز في شيء طيب، ولكن ليست هذه الدنيا دائماً منطقية، فتوقعوا كل شيء فيها!