لم يعد مشروع إنشاء مترو الرياض، بالإضافة إلى النقل العام، مشروعاً كمالياً أو جمالياً، بل هو مشروع مهم وجوهري لإنقاذ هذه المدينة الضخمة من فوضى النقل الخاص والزحام والفوضى الراهنة، والتمدد المستمر لهذه المدينة، إضافة إلى الهجرة إلى العاصمة بحثاً عن العمل أو الدراسة، مما يجعل الكثافة السكانية تزداد بشكل متسارع ومنتظم، الأمر الذي يجعل حدودها وأطرافها تتمدد باستمرار.
أعتقد أن الأخبار عن الاجتماع الثاني للجنة العليا المشرفة على النقل العام برئاسة سمو أمير منطقة الرياض، وتفاصيل هذا المشروع الضخم، سواء في القطارات أو الحافلات، هو أمر جيد ومطمئن، كما أن الإصرار على التنفيذ الدقيق وفي وقت قياسي هو أمر مهم، يجعلنا نأمل أن يكون هذا المشروع مختلفاً عن غيره من المشاريع التي تتعثر أو تتأخر، أو تُنجز بشكل متواضع، ولا شك أن 391 شركة عالمية من خمسين بلداً تقدمت للحصول على بطاقة التأهيل هو أمر يجعلنا نكاد نؤمن أن الأمر سيكون متميزاً، لأنه ليس صعباً أن يتم المقارنة بين عروض هذه الشركات وجنسياتها وخبراتها في هذا المجال، ومن الطبيعي ألا نتورط من جديد مع الشركات الصينية أو العربية والمحلية، فنحن بحاجة فعلاً إلى شركات عريقة، ومن بلدان ذات تجارب تاريخية مع النقل العام، كبلدان أوروبا أو اليابان.
كنت أتمنى أن يؤخذ في الاعتبار خطوط قطارات تبلغ مناطق بعيدة، لكنها مأهولة بكثافة سكانية، أو عمالية، كما في المدينة الصناعية الثانية، وإسكان طريق الخرج، وكذلك المناطق سريعة النمو، كشمال الرياض، خاصة المناطق المزدهرة شمال طريق الأمير سلمان، الذي كان من المجدي أن ينطلق من خلاله خط قطارات من نقطة نهاية الخط الأزرق شمالاً في طريق الملك فهد، ويسير باتجاه الشرق حتى يشترك بالخط البرتقالي بجامعة الأميرة نورة، وهو خط قصير قد لا يزيد عن سبعة كيلومترات، لكنه كان سيخدم المناطق الجديدة المحاذية لطريق الأمير سلمان جنوباً وشمالاً.
الأمر الذي يحيرني فعلاً، هي مرحلة التأهيل التي تسبق التنفيذ، خاصة في أمر الحافلات، كيف سيتم تأهيل ما طوله ستمائة كيلومتر داخل هذه المدينة العملاقة، خاصة إذا كانت ستنفذ بطريقة جيدة كما في الدول الأجنبية، أي أن يوضع طريق خاص لسير الحافلات، لا تزاحمها فيه السيارات الخاصة، وهو الأمر الذي يجعل التنقل من محطة حافلات إلى أخرى سهلا ومنساباً، ويرتبط بجدول مواقيت محددة، أما إذا كانت الحافلات المنتظرة ستسير بالبركة، كما في حافلات العم مناحي، أو حتى حافلات شركة النقل الجماعي، فهي لن تنجح إطلاقاً، لأنها لن تشجعني وغيري على التخلي عن سياراتنا الخاصة، التي قد نستغني عنها بحثاً عن الراحة والانضباط في الوقت، سواء في مواعيد أعمالنا الوظيفية أو ارتباطاتنا العملية.
كل ما نتمناه ألا نتورط بتوقيع عقود التأهيل أو التنفيذ مع شركات محلية كبرى تربت ونمت على الإهمال واللامبالاة، خاصة في هذا المشروع تحديداً، لأنه كان ومازال حلم المواطن الذي يعيش في مدينة الرياض منذ عشرات السنين، فهو سيجعل المدينة حرة ومنسابة من جديد، بعد أن تشرنقت في فوضى الزحام والحوادث.