أدركت مع مرور الوقت أنني فرد من “الأغلبية” البائسة التي لم تمتطِ قط إحدى طائرات الخطوط الجوية السعودية, إلا وتفاجأت بتأخر موعد الرحلة وتأجيلها بسبب عطل فني وتقني في الطائرة أو المطار.
ولربما كانت رحلتي من باريس إلى الرياض أسوأها على الإطلاق, حيث بدأت المعاناة بالتدرج وكأن إدارة الخطوط تسقينا الصدمة جرعات بطيئة, حيث توجهت كغيري من المسافرين في ذات اليوم إلى مطار شارل ديغول في باريس وبقينا في صالة الانتظار إلى حين موعد ركوب الطائرة ومن ثم إقلاعها إلى العاصمة الرياض.. لكن التأخير أبى إلا أن يكون عنواناً لهذا اليوم الطويل.. حيث أعلن أن الرحلة قد تأجلت نصف ساعة, فتقبل المسافرون الخبر برضى ودون أي استياء لا لشيء سوى أنهم “متعودون”.. لكن النصف ساعة قد تمددت و”تمغّطت” إلى ساعة وساعتين بل لثلاث وأربع, قبل أن يخرج المدير المسؤول مبدياً خجله من الموقف, ومحاولاً احتواء الموقف وامتصاص غضب المسافرين, بتقديم وعود متتالية بإصلاح عطل الطائرة الفني سريعاً, فقرر البعض أن يسكن غضبه بقيلولة سريعة لعله يفيق على نبأ يشرح صدره, لكن الخطوط وبعد أكثر من ست ساعات مرت ثقيلة ومنهكة, أعلنت أن رحلة اليوم قد ألغيت وتأجلت إلى ظهر الغد, وحتى ذلك الحين سيتم إنزال جميع المسافرين في فندق قرب المطار لكن دون العفش الخاص بهم, فتم نقلنا ونحن نجر أذيال الخيبة إلى الفندق صغاراً وكباراً بلا حقائب أو أمتعة, مع العلم بوجود أطفال رضع ومرضى بحاجة إلى أدويتهم ومستلزماتهم الموجودة في قلب الحقائب.
وفي صباح اليوم التالي تم إيقاظ جميع المسافرين السعوديين الذين ملأوا غرف الفندق, حتى يتم نقلهم مع آمالهم برحلة هادئة تقلع في وقتها, لكن الرياح جرت مرة أخرى غير ما تشتهي السفن.. حيث جاء موعد قدوم الباص ولم يأت بل تأخر 5 ساعات عن موعده للقدوم, وسط أحاديث غاضبة وساخطة بدأت تدور في أركان الفندق, وظهرت بعض من عادات السعوديين وأنماط تفكيرهم على السطح بشكل غير مقصود, منها إطلاق الشائعات التي تؤكد تأجيل الرحلة يوم آخر, وبعض أحاديث النساء الجانبية التي أكدت أن أبناء هذا الرحلة “منضولين” وأن عيناً ما قد أصابتنا بلعنتها.
وإني هنا أحمل الخطوط السعودية مسؤولية هذه الفوضى في تضارب الأنباء والإشاعات, لغياب مبدأ بسيط جداً وهو “الشفافية” حيث كان بإمكانها أن ترسل إحدى منسوبيها ليضع هؤلاء الرعايا السعوديين وأبناءهم وأطفالهم المترقبين في الصورة, وينقل لهم آخر الأخبار بشكل رسمي واحترافي, لكنها التزمت صمتا ًمريباً وفضلت أن تترك السعوديين المتناثرين في الفندق بلا خبر يشفي غليل تساؤلاتهم المتزايدة.
وأخيراً جاء الباص, فتسابق الركاب عليه أملاً في العودة بسرعة إلى أرض الوطن, خصوصاً أن الشهر الكريم كان قد حلّ.. وفجأة وبعد يوم عصيب شعر فيه السعوديون بالغبن والإهانة, ظهر أحد مسؤولي السفارة السعودية في فرنسا, محاولاً فهم الموضوع والحديث مع المسافرين وامتصاص غضبهم من الغياب المريب لمنسوبي السفارة السعودية, التي من المفترض أن تكون حاضرة بجانب أبنائها في هذه المواقف الطارئة, لكنه أكد شخصياً أن الخطأ يقع على عاتق الخطوط السعودية التي تحفظت على مشاركة السفارة في الموضوع مع وجود 270 مواطنا سعوديا غاضبا في أحد فنادق باريس دون أمتعة أو أجوبة مقنعة لما يحدث! وما أشطر مؤسساتنا في رمي الأخطاء على مؤسسات أخرى لا تملك شجاعة الاعتراف بالأخطاء أو حتى الاعتذار عنها ومحاولة رد اعتبار لمن أسيئ له.
وصلنا الرياض لكننا وصلنا “متأخرين” الأغلبية رفعت شعار “أن تصل متأخراً خير من ألا تصل أبداً” وفضّلت إغلاق الموضوع وعدم الحديث عنه لا لشيء سوى لإيمانها أن شيئا ما لن يتغير.
خطأ جديد ومهزلة جديدة تضاف إلى سجل الخطوط السعودية الحافل بالخيبات. دفع كل منا مبلغا وقدره آملا في أن يصل إلى وطنه بسلام, ويلقى معاملة طيبة في مؤسسة حكومية متخمة بأموال المواطن, لكنها مع الأسف لا تتقن فن الاعتذار عن أخطائها “الكثيرة” ربما لعلمها أنها لن تحاسب ولن يسألها أحد لماذا وكيف ومن المسؤول عن هذه الفوضى والأخطاء المتزايدة بحق المواطن؟ وسيعود إليها السعوديون أفرادا وجماعات حتى وإن طال العتب.
نبض الضمير: (من أمن العقوبة أساء الأدب وتمادى في إساءته).
Twitter:@lubnaalkhamis