لم يكن توجيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله، بالبدء فوراً بحملة وطنية لجمع التبرعات؛ لنصرة أشقائنا في سوريا مستغربا. بل إن هذا التوجيه،
يعد حدثا بالغ الدلالة، والأهمية لجهة التأكيد على الإغاثة العاجلة، والتي تشمل توفير ما يحتاجه الشعب السوري في المرحلة الراهنة من طعام، وشراب، ودواء، وغير ذلك من ضرورات الحياة؛ لتكون تلك الحملة أنموذجا إسلاميا، يؤصل لمفهوم النصرة، والانتقال بها من درجة الكفاية إلى درجة الفرض شرعا وقانونا؛ ولتكون أيضا في حقلها الأخلاقي والسياسي من أعظم المبادئ، التي تحتاجها الإنسانية في عامنا المعاصر.
هذا التوجيه، أكّد معنى النصرة للشعب السوري، ووسّع نطاقها ؛ لتشمل مساندتهم معنويا وماديا، بعد أن سرت روح التخاذل بين الدول الكبرى، وانسحبوا غير مكترثين بما يحدث على أرض الواقع، رغم ما يرونه من استئساد النظام الأسدي ضد شعبه الأعزل، واستباحة حرماتهم، ونهب حقوقهم، وتدنيس مقدساتهم. بل إن دولا عظمى مع الأسف، حاولت منذ الوهلة الأولى من عمر الانتفاضة، تغطية فظاعة جرائم النظام البعثي، وتبرير تصرفات الظالم، بل والتآمر على الشعب السوري، وثورته.
لقد اشتكى الشعب السوري حرب إبادة شعواء، شملت حالات القتل، والاغتصاب، وتدمير الممتلكات الخاصة والعامة، وتهجيره، وإحراقه في كل واد، بعد أن استخدم النظام الحاكم قوته، وجاهه، وماله، ونفوذه، متجاوزا الحدود، ومعتديا على الحقوق.
تابعت باستمرار مأساة الأوضاع المؤلمة في سوريا، وحرصت على متابعة ردّ فعل دول العالم، من باب تكوين رؤية واضحة عن الحدث، ومعرفة مواقف تلك الدول؛ للخروج من الجزء، وإلقاء نظرة شاملة إلى الكل. وحتى يكون تحليلي ذا صفة موضوعية، وكلماتي لها معنى على هذا الأساس، فإن المملكة العربية السعودية، كانت الدولة السبّاقة في تبني موقف قوي تجاه الأحداث منذ اللحظة الأولى، وداعم لنصرة المستضعفين من الرجال، والنساء، والولدان، وإدانة الظلم، ومسائلة الظالمين؛ لما لها من مكانة رائدة، ليس على المستوى الإقليمي فحسب، بل على مستوى العالم أجمع.
لا زلت أذكر خطاب خادم الحرمين الشريفين في رمضان العام الماضي 1432هـ؛ لوقف مسلسل العنف، الذي مارسه النظام ضد شعبه الأعزل. فكانت بحق أقوى رد فعل عربي في تلك اللحظة على الأحداث الجارية في سوريا. كما اعتبرت نقطة فاصلة بين مرحلتين في الأزمة السورية، حين وقف الخطاب على مسافة واحدة من جميع الأطراف الداخلة في الأحداث، فشخّص حينها الداء، وأوجد الدواء. وكسر حاجز الصمت العربي حول ما يجري من اتساع دائرة العنف منذ منتصف مارس العام الماضي، والتي راح ضحيتها في تلك الفترة قرابة الألفي شخص، وذلك وفق مصادر لنشطاء، ومنظمات حقوقية، كما أرغمت عشرات الآلاف من السوريين على الفرار إلى دول مجاورة، كتركيا، ولبنان.
ولأن تطورات المرحلة الماضية، كانت مرتبطة بحسب ما ستؤول إليه الأحداث، فإن الرسالة التي تضمنتها كلمة الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله، بأن: “مستقبل سوريا بين خيارين لا ثالث لهما، إما أ ن تختار بإرادتها الحكمة، أو أن تنجرف إلى أعماق الفوضى، والضياع، لا سمح الله”. ولا يكون ذلك إلا بإيقاف آلة القتل، وإراقة الدماء، وتحكيم العقل، وتفعيل إصلاحات سريعة، والتصالح مع معارضيه ؛ من أجل إقامة دولة حديثة، يكفل من خلالها حقوق الشعب السوري، بما يصون كرامته، ويحقق تطلعاته، وإلا فإنه سيواجه مصيرا مؤلما.
على أي حال، فكما ستلهج ألسنتنا بالدعاء للشعب السوري بالتأييد، والنصر، والتمكين، والتفريج، فإنها ستلهج أيضا بالدعاء لملك الإنسانية عبد الله بن عبد العزيز، الذي وضع حدّا فاصلا للتسويف العالمي، حين أحاط أهلنا في سوريا بمشاعره الأبوية الصادقة، وقلبه الحاني؛ لدفع الظلم عنهم، واسترداد حقوقهم، وهو جزء من مواقف المملكة في خدمة القضايا العربية والإسلامية، وقضايا الأمن، والسلم الدوليين.
drsasq@gmail.com