تطالعنا وسائل الإعلام بقضايا زواج القاصرات، وهذا شيء متوقع الحدوث في أي مجتمع، إذ إن رغبة بعض الرجال في الزواج من فتاة قاصر تكون أحياناً في سن أحفاد أحفاده، يعتبر مرضاً له اسمه العلمي، ولا يمكن أن يقنعنا أياً كان بأن مثل هذا شيء طبيعي. كلا، بل هو مرض يجب علاج من يعاني منه، بدلا من أن تتم التضحية بفتاة في عمر الزهور من أجل إشباع رغبة مريضة، وطالما أن هذا هو الحال، فإن الملاحظ هو تردد بعض القضاة في الحكم بحزم حينما يتم عرض مثل هذه القضايا المؤلمة، ولعل ما سأنشره هنا يساهم في منحهم شيئاً من الشجاعة في قادم الأيام.
فبينما كنت أتصفح كتاباً بعنوان «محمد بن سعد بن زيد.. أول أمير للرياض» لمؤلفه الأستاذ عبدالله بن زيد، وقعت عيني على وثيقة تتعلق بزواج القاصرات، وشجاعة عالمين من أبرز القضاة في عهد الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه، وهما الشيخ محمد بن عبدالعزيز بن حميد، والشيخ عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل بشر رحمة الله تعالى عليهما، فقد حاول أحد المواطنين تزويج ابنته القاصر، والتي لا يتجاوز عمرها عشر سنوات، ثم شكلت لجنة لهذا الغرض من أمير الرياض والشيخين الكبيرين، فماذا تراهما فعلا؟.
كتب الشيخ محمد بن عبدالعزيز ابن حميد رحمه الله (وأنقل نصاً دون تحريف): «من محمد بن عبدالعزيز ابن حميد إلى جناب المكرم الشيخ عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل بشر سلمه الله وعصمه بحفظه وثبته على أمره آمين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد، أحسن الله إليك من قبل بنت (اسم البنت) في السنة العاشرة وهي خاصة ما فيها أهلية للتزويج الآن والذي يزوجها في تلك الحال معدوم الرأي والنصح فيما تولى ليكون لديكم معلوم ونظرك فوق ذلك فيه، ولله الحمد بركة وكفاية هذا ما لزم وأنت في حفظ والسلام».... 2 شعبان 1356 هجرية.
وبعد أن وصلت الرسالة، صدر الحكم الشرعي من الشيخ عبدالعزيز آل بشر، وأنقله نصاً دون تحريف: «الزوج إما أن يتأخر عن الدخول بالبنت حتى تستكمل خمس عشرة سنة ووالدتها حضرت عندي والتزمت جميع شئون البنت من طعام وكسوة حتى تبلغ السن المذكور، والزوج أن ما يأخذ جهازه وإلا يبقى أن عاشت وعاش الزوج إلى الوقت المذكور ووالدها حي وإلا فهي بالخيار، إن توفي والدها بينه وبين غيره هذا هو الحكم الشرعي، قاله ممليه الفقير إلى الله عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل بشر، وقد شهد على التزام والدة البنت (اسماء الشهود)».. حرر في 20 شعبان 1356 هجرية.
وفي الأخير، طالما أننا لا زلنا نعاني من البطء في البت في قضايا زواج القاصرات، هذا إذا تم البت فيها أصلاً، فإننا نقترح على أخينا معالي رئيس المجلس الأعلى للقضاء تعميم هذا الحكم -الذي أصدره اثنان من كبار علماء هذه البلاد- على قضاة المحاكم الشرعية، لعل هذا يساهم في حل هذه المعضلة المستعصية، وإنا لمنتظرون.
ahmad.alfarraj@hotmail.comتويتر @alfarraj2