من أخطر الأمور على الأمن الفردي.. والكيان الأسري.. والصف الوطني.. ووحدة الأمة وأخوتها الإيمانية.. خاصة في زمن الفتن وحين الحروب ووقت الصدام والصراعات “الشائعات”، فهي باختصار تفتك بالنفوس، وتؤثِّر على المعنويات، وقد تفرِّق الكلمة، وتهز الإرادة، وتشتت الجماعة، وتعصف بالمقدرات، وتبدد الثروات، وتحرج الحكام والساسة وعلماء الأمة ومفكريها... ولخطورتها كان وما زال لدى الدول والمجتمعات مراكز متخصصة ترقب وترصد.. تقيس وتحلل ما يقال في الأوساط المجتمعية من شائعات مغرضة وحكايات مؤلمة واتهامات فاسدة!!، كما أن هناك جهات متخصصة تتولى الإيضاح والبيان وتصدر ما يزيل الغشاوة ويدفع البهتان، وغالبًا ما تلعب مخابرات الدول ذات العلاقة بالأحداث الدائرة على أرض الواقع دورًا رئيسًا في تحريك وتوجيه عقول الناس ومشاعرهم بطريقة أو بأخرى، وكلَّنا سمع وعرف الكثير من قصص الاختراق الاستخباراتي وجهود المخبرين في تأجيج جذوة الصدام وإشعال نار الفتنة في هذا البلد أو ذاك.
لقد عمل المنافقون على توظيف الشائعات في عهد خير الأنام عليه الصلاة والسلام، وفعلت هذه الوسيلة الخبيثة فعلها في شخص رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وهو من هو بأبي هو وأمي عليه الصلاة ولسلام، وما حادثة الإفك المعروفة إلا خير شاهد وبرهان، كما أنها “الشائعة” أثرت على جمع من صحابته الكرام في منعطفات كثيرة أعرف بعضها وتعرفون منها الكثير، وهي اليوم توظف من قبل أعداء الدين وسراق الأوطان لزرع بذور اليأس في نفوس الصالحين المجاهدين وتشكيك وزعزعة ثقة المواطنين المخلصين.
على المستوى الوطني كثرت الشائعات ذات البعد السياسي في غضون الأسابيع القليلة الماضية بشكل منظم ومخيف، ساعد على سرعة انتشارها وكثرة تداولها وجود قنوات إعلامية مضادة تسعى إلى زعزعة أمن كيان هذا الوطن المبارك.. وتسابق الصحافة الإلكترونية خاصة ومواقع الإنترنت المتنوعة على الخبر أيًا كان دون أن تكون هناك قراءة متفحصة للحيثيات ورؤية متوقعة للمستقبليات.. ووجود جمع من أولئك الذين يصدق عليهم وصف “الرويبضة “ مدمني الكتابة في مواقع التواصل الاجتماعي المعروفة، وربما كان منهم صغير السن والمندفع والحاقد وحتى العدو وللأسف الشديد.
لقد عاب الله سبحانه وتعالى على عدد من أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ما كان منهم إزاء ما حيك من فرية تتعلّق بعرض أمّنا عائشة رضي الله عنها فقال عزَّ من قائل عليم: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ} والدلالة الضمنية لهذا النص الرباني أن الواجب على المسلم أن يتلقى بسمعه -الأذن -، والسمع أهم منافذ المعرفة عند الإِنسان، ومن الأذنين إلى الفؤاد، حيث يعرض الإنسان المعلومة التي وصلته على قلبه ويعمل فيها عقله ثمَّ يتحدث بها بعد أن يتيقن من أن ما سيقوا له سيتحقق منه وفيه الخير وسيعقله الناس الذين حوله، ولن يكون فيما سيقول فتنة لهم وخرق لسفينتهم وشق لصفهم وضرر بمصالحهم وتدمير لثرواتهم وممتلكاتهم وأوطنهم.
إن الظرف الزمني الذي نعيشه لا يحتمل الاعتماد على وسائل مخترقة للحصول على المعلومة التي تهم العامَّة وتؤثِّر على حياتهم ومن ثمَّ أخذها على أنها مسلمة والتصديق بها وربما التغريد حولها وتحليلها والقراءة المستقبلية لواقعنا نتيجة اعتبارها يقينًا لا يمازجه شكّ ولا يعتريه ويخالطه ريب، مع أنها مجرد فرية تفوّه بها رويبضة نكرة لسبب أو لآخر.
ولذا أعتقد أن من الأهمية بمكان الالتفاف حول مرجعياتنا الوطنيّة (الدينيّة والسياسية والاقتصادية والإدارية والعسكرية والاجتماعية والفكرية الثقافية) حتَّى نكون شركاء في الإبحار بسفينة المجتمع إلى بر الأمان.
لقد هزني كثيرًا ما أشيع مساء يوم الاثنين الماضي من انتقال صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبد العزيز إلى الرفيق الأعلى، وأيقنت لحظتها أن هناك شيئًا خطيرًا يحاك في الظلام، فقد سبق هذه الشائعة شائعات، وجزمًا سيلحق بها الكثير، وكلها ذات علاقة مباشرة بالرموز أو التوجهات أو القرارات أو الولاءات... وهذا -كما قلت- سلفًا من الوسائل الاستخباراتية التي يلجأ لها زمن الفتن وحين المواجهات ولذا وجب التنبيه حتَّى يتسنى للمواطن الحق العلم ومن ثمَّ أخذ الحيطة والحذر.
حفظ الله ديارنا وصرف عنَّا كل سوء ووقانا شر من به شر وسلمتم لنا قادة بلادنا المعطاء ودمت عزيزًا يا وطني وإلى لقاء والسلام.