إعداد - د. أحمد بن عبدالله السناني:
الشاعر الكبير صالح بن أحمد العثيمين (1357-1433هـ) انتقل إلى رحمة الله قبل 7 أسابيع بعد معاناة طويلة مع أمراض السكر والقلب والشرايين دامت أكثر من 50 عاما، أسأل الله العلي القدير أن تكون تكفيرا ورفعة له في الدار الآخرة وأن يجمعنا معه ووالدي وأحبابنا جميعا في جنات النعيم آمين.
كان والدي الشاعر الكبير عبدالله بن حمد السناني (1351-1409هـ) خاله وصديقه وأستاذه في المدرسة السعودية الابتدائية في عنيزة رحمهم الله جميعا، وكان فارق العمر بينهما 7 سبع سنوات تقريبا.. لقد كان صالح العثيمين (وشقيقه عبدالله وأخواتهم) من أحب الناس وأقربهم إلى قلبي -والحمدلله- ونظرا لإقامته في عنيزة -التي غادرتها منذ ابتعاثي الى أمريكا بعد الثانوية- فإني كنت أحرص على زيارته في الأعياد وتمر أحيانا سنوات من دون أن ألقاه بسبب ظروفه الصحية أو ظروف عملي والبعثة الى أمريكا، ولكن عندما أحظى بموعد لزيارته فإن اجتماعنا كان يدوم غالبا من بعد صلاة العشاء الى أذان الفجر فقد كان معلما مثقفا وعالما موسوعيا، وكان يبادلني المودة رحمه الله ويمضى الساعات يتحدث عن خاله عبدالله بحب كبير.. وانها لحقيقة أنني حصلت على اجازة من عملي وزرته عدة ليال متوالية في رجب من عام 1410هـ مباشرة قبل سفري للدراسات العليا في أمريكا (البعثة الثانية) وأحضرت معي مسودات لبعض قصائد الوالد مكتوبة بخط يده رحمه الله وطلبت منه مراجعتها معي تمهيدا لادراجها ضمن قصائده الأخرى وتقديمها لنادي القصيم الأدبي الذي طلب اصدار ديوانه في ذلك الحين.. إلا أنه أمضى معظم ساعات القراءة في البكاء وتقبيل ورق قصائد الوالد ولم نتمكن من انهاء صفحة واحدة في ثلاث ليالي متوالية.. رحمهما الله لقد كانا انسانين متميزين ذوي شخصيات نادرة.
أرسل أبو خالد قصيدة إلى خاله عبدالله بن حمد السناني رحمهما الله بتأريخ 12-12-1403هـ يهنئه بالعيد قال في مقدمة لها:
(إلى الذي تعلمنا منه كيف تولد الحروف ، وتضيء الكلمات ، وكيف تجود المواسم والفصول: الخال الكريم أبو سامي):
نهنيك يا حلم النجيمات والهوى
مرافئك الخضراء بالعين تسبح.
وحلم السنين الراحلات ووجدها
وكل عذاراها بحبك نلمح.
بك العيد يزهو أسرة وملاعبا
ووعدا به كل الأحبة تفرح.
بعينيك آمال وبرق طفولة
وبوح هوىً من بين عينيك يسفح.
فطهرك في مر الصبا ونسيمها
حبيب له كل المشاعر تفرح.
عبرت شعاعا يشرب الغيم ضوءه
وكنت الهوى يا مرفأً فيه نمرح.
ملاعبك الخضراء فينا خميلة
بها عالم من عالم الحبّ يصدح.
أضعناك لمَّا ضاع منا طريقنا
فكيف إلى لقياك نهفوا ونطمح!؟
وعفوك يا سراً بليلاتِ عمرنا
به قد عرفنا كيف نأسى ونفرح.
فأنت وإن عزّ اللقاء حبيبنا
له في قلوب الكلّ عهد ومسرح.
عرفناك في الروح الكريم وفيضها
وفي الباقيات الغَر كفّاك تمنح.
تهانيَّ يا جيلاً من الحب قائماً
يطير به حبٌّ إليك مجنحّ.
الرد: من البحر الطويل
نهرٌ من الحب
للشاعر عبدالله بن حمد بن علي السناني:
بكيتُ وفي كفّي النجيّة شمعة
تناغي فؤاداً فيه صرحك يصدح
تخاصر في نفسي شجوناً دفينةً
فكأسي من دمعي وراحي يطفح
تلاقت بجوّ العيد أجنحة الهوى
فسر اغترابي زاجلٌ منك يفصح
ولم أدر أن العيد مرّ بخيمتي
سوى أن أوتاراً بكفيك تصدح
تنعم روحاً قد صفى فيك جوهراً
كأنغام غيث الوسم والأرض تقدح
تهادتْ بربعي موجةٌ من بشاشة
وبالعطر والأنداء والحب تنفح
تهدهد آلامي وتونس وحشتي
تبشّر أن الدهر ما زال يسجح
على حين غاضت في جداولها الرؤى
كأني نصبٌ ما حواليه صحصح
أبا خالد ذكرت من ليس ناسياً
ولكن شراعي في مراسيه يرزح
وقد شاخت الأحلام أو شختُ بينها
فلا زهرةٌ في المُنحنى تتفتّح
فأين المراعي الخُضر والسحب والصبا
ولهو صبانا والشباب الموشّح
أُقلّب في الأسماء والعيد ناظري
فلا أُبصر المضمون والجدّ يمزح
فعفوك إني في ثنائك مُحرجٌ
فما ادّعى شيئاً به المرء يمدح
ولكن أعراق الوفاء سخيّةٌ
وكل إناء بالذي فيه ينضح
وما ضعت ممن صانني وحفظته
وإني إلى راعي الأحبّة أجنح
وما خطوات الرِجل مقياس حبّها
وإلا فما حبٌ على الأرض يفلح
إذا صفت الأرواح فهي عقيدةٌ
لها كعبةٌ فيها نطوف ونمسح
وما ضاع في تيه الطريق دليلكم
ولكنها الأحوال تأبى وتسمح
وما كل دربٍ للقاء مُعبّدٌ
لذا كانت الأعذار للصفح تُطرح
أُحيّيك بالتبريك والعيد دوحةٌ
بها الطير في طهر اللقاء تُسبّح
به يتجلّى الوصل طقساً مقدّساً
وذنب التنائي كالضحيّة يُذبح
فلا زلت للأحباب كأساً ونغمةً
بمثلك تُستحلى الحياة وتملح
وما الحب إلا ترعةٌ أنت نهرها
فلا ضفّةٌ تظمى ولا النهر ينزح