لم يزرْ الجوفَ في حياته، وهو تقصيرٌ منه لا يبرره ويعتذرُ عنه ؛ ليلازمه إحساسُ القرب منها كمن سكنها حتى أدمن وسمها ورسمها؛ فقد عرفها عبر صداقاتِ زمنٍ رغدٍ ارتبط فيه بجمعٍ جميلٍ من مثقفي المنطقةِ حين واءمهم « معهدُ الإدارة « وخل+ق بينهم دوائرَ صداقةٍ تخطَّت رسميةَ الزمالة لانسيابيةِ العلاقة وانفتاحها.
** أولهم الصديق الغالي الأستاذ «خالد الحمد» الذي تعرف عليه في « سان دييغو « الأميركية على شاطئ المحيط الهادئ ؛حيث ضمتهما جامعتها العريقة « سان دييغو ستيت « مع فارق توقيت التخرج؛ فبدا سلامُهما وداعًا إلى حين، وازدادت رُسوًّا حين كُلف « أبو يعرب « بإدارة البرامج العليا ثم إدارةِ فرع المعهد بمنطقة مكة المكرمة، واستمرت متقدةً بالمحبةِ تعززها اهتماماتُهما الثقافيةُ التي قادت الأستاذ خالدًا للكتابة المنتظمة في ملاحق الجزيرة الثقافية فترةً غير عابرة، وبقيت بوفاء هذا الكبير عامرة.
** وكان ثانيَهما «أبو المقدام» الذي شاء حسن حظ صاحبكم أن يتزاملا في إدارة واحدةٍ بالمعهد (مركز تقنيات التدريب)، مثلما اشتركا في تقاسم هموم العمل الإعلامي العام « المسموع والمرئي»، وازداد ألقُ العلاقة خلال شهرٍ كامل قضياه في « دبي « حين رأس كلٌ منهما لجنةً رسميةً ضمن لجان «المؤتمر الدولي للعلوم الإدارية» الذي قُرر في الرياض ثم ساقه قدره إلى الإمارة الشقيقة، وهناك حضر نصُّ صاحبكم « العامي « الأول الذي استهلَّ مطلعَه الصديق الأستاذ يوسف القبلان واكتمل بتجربته التي لا يعنيه توثيقها أو تقويمُها ولا يأبه بما بقي من أبياتها « الثلاثين» :
وين انتْ يا اللي تبي « سانت جورجْ»
ترى الوعد عند تركيّة
لدبي جينا... وحنا فوجْ
شلة جماعة زقرتية
ما بيننا واحدٍ ممجوجْ
بس المتاعب ضرورية
تلقى لك بها السفر ممجوجْ
بالفعل واحد على مية
اللي يخالف ترى مسهوجْ
شبه المصلي بلا نية
يا صاحبي شف هدير الموج
واذكر زمان الخلاويّة
وفيها أبياتُ غزلٍ عابرة ومهاذراتٌ بالاسم والفعل ولا يصلح معظمها للنشر لحميميتها بين ثلةِ الأصدقاء الذين قادوا مؤتمرًا تغير مكانُه فنجحوا وأخذ غيرُهم تقديرَهم، وما يزال يلتقي بصديقه الإعلاميِّ البارز «عبد اللطيف الضويحي» عبر العالمين الحقيقي والافتراضيّ .
** أما الثالثُ فشخصٌ استثنائيٌّ بلطفه ودماثته وحيائه وحيويته ؛ عرفه عن بعد وإن أحسَّ بالدنوّ منه مذ كان الجوفيّ الأنيق سكرتيرًا في مكتب نائب المدير العام للمعهد فتصافحا وتحادثا، ثم قفل لمنطقته وكيلا لإمارتها وتوقفت الأواصر حتى فَجعنا النبأ الأليم بوفاته ؛ فلم يكن «الدكتور حمد الوردي» عابرًا، وازداد يقينًا بتميزه بعدما نشرت بعض بحوثه؛ ومنها رسالته للدكتوراه التي حوت منهجيته كما محبته لوطنه وغيرته عليه، ولا يمكن أن يمرَّ ذكره دون التنويه بما تصدى له الوفاء النادرُ من صديق عمره الأستاذ الدكتور متروك الفالح الذي عرفه صاحبكم في اثنينية شيخنا «عبد الكريم الجهيمان» - رحمه الله - وكان يقول له: أنت مبروك لا متروك .
** لا ينسى صديقه الدكتور «فهاد بن معتاد الحمد» حين ارتبط به رسميًّا فترةً لم تطل ؛ فكان «أبو راكان» النائبَ للبحوث وصاحبُكم المديرَ العام للطباعة والنشر، وعرفه أكثر عبر اللجان المشتركة واللقاءات غير الرسمية، وآمن بتميزه الذهني ووعيه المعرفي وواقعيته الصريحة ورقيه التعاملي.
** لن يكتمل الحديث دون الإشارة إلى نتاجٍ مشتركٍ « جوفي قصيمي»؛ كان وبقي أستاذًا وصديقًا ؛ يملؤه اللطفُ والوعيُ والفهمُ والتفاهم، ويعتزُّ بإفادته من وجوده في دائرة مرؤوسيه المباشرين عشرة أعوام؛ حين كان الدكتور عبد الرحمن الشقاوي نائبًا للمدير العام لشؤون التدريب، واستمرت الوشائجُ الأخويةُ المسكونةُ بعرفان أستاذيته وفضله بعدما صار «أبو طارق» المدير العام بالرغم من مغادرة صاحبكم المعهد .
** ليسوا « هؤلاءِ» فقط ؛ فمعهم جوفيون رائعون تعرف عليهم في منعطفات المسير، وأيقن أن رقمًا أُحاديًّا يعدل خاناتٍ مليونيةً ؛ فالصورة الزاهيةَ تتناسخُ صورًا، والحرفُ المضيءُ يسطرُ أسفارًا، والشخوص الطيبةُ تنقل عن ذويها الطيب حين تتمثل فيهم قيمُ الوفاء والصدق والانتماء .
** لقد زار « الجوف « كما لم يزرها بعضُ من مكثوا فيها، وهو ما يحمل معنًى ذا دلالاتٍ فاصلةٍ في الإعلام الشفاهيّ الذي يصنع الفارقَ، وهو ما نحتاجُ إليه سلوكًا يَعني ويُغني عن برامج وبهارج.
** المواقفُ لغة.
ibrturkia@gmail.comt :@abohtoon