وأنا عابرٌ - بكل انسجامِ
فَاجَأتْني هشاشةٌ في عظامي
فَتَجَّملْتُ بالعصا - في يميني
وتَمَنْطقتُ - مُرْغَماً - بالحزامِ
وَتَعَطَّرْتُ - بِالمْرَاَهِمِ.. حتى
صَارَ - من ريحها - يفوحُ قَوَامي
ثُمَّ أطلقتُ لحيتي - مستجيباً
لدواعي شيخوخةٍ، وانهزامِ
كنتُ بدراً.. وهَلَّ وقتُ انطفائي
كنتُ بحراً.. وزَلَّ وقتُ احتدامي
كنتُ شمساً.. وحان وقتُ غروبي
كنتُ طيراً.. وحان وقتُ ارتطامي
انتهى دَوْرُ نهضتي، وبنائي
وابتدا دورُ عُزْلَتي، وانهدامي
سُقْتُ مالي.. كَيْ لا أكونَ بخيلاً
وتماسكتُ - في صُفوف الكرامِ
عِشْتُ كُلَّ الفُصُولِ.. لم أتْلُ درباً
بل دروباً تَنَافَسَتْ لاستلامي
لم أُكبِّلْ قناعتي بحبالٍ
قَدْ أُعِدَّتْ بمربطٍ في الخيامِ
أَنْشُدُ الحق.. لم أَحِدْ عنه يوماً
حينما تُشرق الشموسُ أَمامي
رحت شرقاً.. ومطلعُ الشمس قَصْدي
ثُمَّ.. غَرْباً حتى حدود الظلامِ
وتخلَّصْتُ من أذى كُلِّ باغٍ
بانسحابي.. وليس بالانتقامِ
وَتَصَالَحْتُ.. والإخاءُ بريدي
وَتَصَادَمْتُ.. والإباءُ حُسامي
شاعرٌ.. أُشْعِلُ الرؤى في دُروبي
وأُغَنِّي - على غصون الكلامِ
كم جَدَيْرٍ أَوْدَى - بهِ - الشُؤْمُ حتى
ضاعَ - ما بين أَهْلِهِ - في الزِّحامِ..!
يا رفاقي.. إذا رأيتم شبابي
قد تولَّى.. فبلغوه احترامي
فَهْوَ نهرٌ مُحَمَّلٌ بهمومي
وبأسباب جُرأتي، والتزامي
وهو حقلٌ ألقيتُ فيه يقيني
وشكوكي، وثورتي، وسلامي
وكتابٌ مُعبَّأٌ بشجوني
وبأسرار عاشقٍ مُسْتَهَامِ
إنَّ عَهْدَ الشبابِ كنزٌ ثمينٌ
فَتَوَلَّوا شُؤونَهُ - باهتمامِ
إنه العُمْرُ.. عشتُ - فيه - ربيعي
وخريفي، وفرحتي، وسقامي
إنه الوكرُ.. صُغْتُ - فيه غِنَائي
وبُكَائي - على هديل اليمامِ
يا رفاقي.. ترفقوا بشبابي
وهو يرمي أهدافه بالسِّهامِ
يا رفاقي.. تَرَفَّقُوا بشبابي
وهو يعدو - على رقيق الغَمَامِ
ويُنَاجي - فوق السحاب - نجوماً
غاوياتٍ مطارحاتِ الغرامِ
يا رفاقي.. ترفقوا بشبابي
وهو يعلو - بفكره - عن مقامي
وهو يحدو مَطِيَّهُ - في شعابٍ
نائياتٍ عن فلسفات الأنامِ
يا رفاقي.. ترفقوا بشبابي
واعذروني.. وخَفِّفُوا من ملامي
فالفتى - في رِكَابهِ - يا رفاقي
غادرَ الشيخَ ذَا العصا، والحزامِ
وإذا غادرَ الشبابُ.. تراءتْ
لِقلُوبِ الورى حدودُ الختامِ
* الرياض