يُخيَّل إليَّ أني قرأت منذ حين من الدهر بإحدى الصحف المحلية «الإستراتيجية التي وضعتها وزارة الشئون البلدية والقروية حول تطوير المدن الرئيسية في المناطق لتصبح مدناً نموذجية».
تمنيت لو كنت قد عثرت على تلك الإستراتيجية لأعرضها عليكم وماذا تقول، وقد استجديت شيخنا (جوجل) ولم يدلني على نصها.
طبعاً المقصود بالمدينة الرئيسية هنا هي القاعدة الإدارية للمنطقة حيث تضم مقر إمارة المنطقة ومقر إقامة الحاكم الإداري والمديرين العامين وبها أفرع لمعظم الوزارات ويجب أن يكون بها جامعة ومستشفى (تخصصي) وتخصيص مبانٍ حكومية نموذجية لتلك الفروع.
وغالبية أولئك المديرين وأيضاً أعضاء المجالس بما فيها مجلس المنطقة والمجالس الأدبية والثقافية والرياضية وغيرها من تلك المدينة (المحظوظة)، وهي الوحيدة دون غيرها التي يُطلق عليها مُسمى مدينة، كما أنها الوجهة الرئيسية للوفود القادمة من وزارات الدولة. هذا المسمى يرتبط به العديد من الأمور فمشاريع وبرامج التنمية الهامة غالباً ما تتركز في تلك المدينة بحكم أنها العاصمة، كما أن الأخبار الجميلة عن المحافظات والمراكز والمشاريع تأتي من الوزارات مباشرة إليها.
المهرجانات والأنشطة والندوات والفعاليات بجميع أنواعها العلمية والثقافية والأدبية كأنما وجدت فقط لإنسان المدينة وليس لمثيله من ساكني المحافظات والمراكز.
كون المسئولون من تلك المدينة وارتباطهم المباشر بالوزارة يحتم عليهم الانشغال اليومي والتنسيق للزيارات (التفقدية) والاجتماعات (وما أكثرها) وقد لا يكون لديهم الوقت الكافي لمناقشة احتياج المحافظات والمراكز تاركاً تلك المهمة للمدير التابع له في المحافظة والذي لا يملك صلاحيات المدير العام بالمنطقة أو حتى جزءاً منها، ونادراً ما نقرأ أن مديراً عاماً قد تحدث عن نقص الخدمات في محافظة أو مركز تابعين لإدارته.
في هذا السياق يلحظ المتابع شكوى مواطني المحافظات والمراكز من غياب البنية التحتية المتكاملة من الخدمات مع تركُّز الخدمات بل وتجميعها في مكان واحد ونتيجة لذلك نلحظ غياب عناصر التنمية الحقيقية، وهذا العامل عملَ على زيادة الفجوة التنموية بين المدن الرئيسية (حواضر المناطق) والمحافظات والمراكز أو الأطراف.
وحتى يتم توزيع التنمية بشكل عادل يجب الانتقال إلى مشروع اللا مركزية في الإدارة وتحويل المحافظة والمركز إلى وحدة تنموية اقتصادية اعتماداً على عدد السكان والأهمية والموقع الجغرافي.. فكم من محافظات هي أكبر من مناطق؟
وهذا المشروع سيكرّس فلسفة التنمية المتوازنة والعادلة والتي تتبناها الدولة والمتمثّلة في تحقيق التنمية في جميع مناطق المملكة، وهذا يعود بالفائدة ليس على تلك المحافظات والمراكز وحدها وإنما أيضاً على المدن ذات الكثافة السكانية التي تُعاني من الازدحام بسبب تركُّز التنمية.