|
متابعة - محمد المنيف:
لاشك أن الفكرة هي أصل كل ما يقوم به الانسان في بناء حضارته ويأتي الابداع مكملاً لها، وحينما جاءت فكرة صاحب السمو الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد وزير التربية والتعليم رئيس اللجنة العليا المنظمة للمعرض الذي تقوم عليه مؤسسة ليان للثقافة، أن يجعل من المساجد الثلاثة مقصداً وهدفاً ورسالة لما تعنيه هذه المساجد من معنى ويستلهم منها فكرة إقامة معرض يحرك به خيال نخبة منتقاة من الفنانين المسلمين للتعبير عن مفهوم وحجم قدسية هذه المساجد وحضورها في عقل ووجدان كل مسلم بمن فيهم المبدعون في مختلف سبل التعبير أدباً شعراً وتاريخا وتوثيقا، ومن بينهم الفنانون التشكيليون الذين فهموا ما تحمله الفكرة من رسالة سامية ذات أبعاد روحانية حقق بها سمو الأمير فيصل وأصاب الهدف الذي أشار عنه في كثير من تصريحات سموه عن ذلك الهدف قائلاً: (إن المعرض يجسِّد دور المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي عهده الأمين في خدمة الأمتين العربية والإسلامية وما تمثِّله هذه المساجد من مكانة كبيرة لدى شعوب العالم الإسلامي إلى جانب التواصل الفني والإبداعي والحضاري والثقافي بين فناني العالم، وإلى بلورة المفاهيم الروحية والمعنوية من خلال رسالة ورؤية مفادهما أن الإسلام هو دين العدل والسلام والأمن والأمان والتعايش بين الشعوب، إضافة إلى الدور الوطني الذي يجب أن يضطلع به كل مواطن ويقدم ما يستطيعه.
وأبان سموه في تصريح آخر أن المعرض يسعى إلى تعريف العالم بمكانة المساجد الثلاثة التي يشد إليها الرحال في قلب كل مسلم كما أن أبناء المملكة تقع عليهم مسؤولية إيصال رسالة الإسلام الخالدة للعالم أجمع مشيراً سموه إلى أن الإسلام دين مكمل لباقي الأديان.
لقد مرمعرض مساجد تشد لها الرحال بمحطات خمس بدءا بالمملكة العربية السعودية مدينة جدة عام 2006. وفي مركز الملك عبدالعزيز الثقافي بأبرق الرغامة الذي جاءت إقامته تفاعلا مع اختيار مكة المكرمة عاصمة للثقافة الإسلامية ليشد رحاله بعد ذلك إلى إلى المغرب ويقام في مدينتي الرباط 2007 والدار البيضاء 2008م وذلك بالتعاون بين مؤسسة ليان ومؤسسة «أونا» المغربية ليجعل من عمان بالأردن وبالتعاون بين مؤسسة ليان والجمعية الملكية للفنون الجميلة - المتحف الوطني الاردني للفنون الجميلة المحطة الرابعة مكملاً باسطنبول المحطة الخامسة 2012م بتعاون مشترك ايضا بين مؤسسة ليان ومركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية بإسطنبول (ِِARCICA).
اسطنبول المحطة الخامسة
لا شك أن إقامة هذا المعرض في تركيا الشقيقة الذي يمتد شهراً كاملاً وفي هذه الفترة متزامناً مع شهر رمضان الكريم كان اختيارا موفقاً في المكان والزمان، فمن الجانب المكاني تعيش تركيا الشقيقة حالة متميزة من استقطاب السياح من مختلف الدول العربية والإسلامية وهذا مؤشر إلى نجاح الاختيار الذي برزت نتائجه في كثافة الزوار للمعرض، أما الجانب الآخر والأكثر أهمية في جانب التقدير والرعاية فهو في الرعاية الأعلى في المستوى من الرئيس التركي عبد الله غول والمسئولين على اختلاف اختصاصاتهم وإداراتهم، والتي حقق المعرض بهذا المستوى الذي يجده في مختلف محطاته أهمية عالمية وإعلامية.
تنوع في الطرح
وقد شارك في هذا المعرض نخبة متميزة من التشكيليين تم انتقاؤهم من مختلف الدول العربية والاسلامية من بينهم اربعة من التشكيليين السعوديين هم الفنانون ضياء عزيز وعبد الله الشلتي وعبد الله حماس ونوال مصلي.
المعرض اشتمل على مجموعة من اللوحات المتنوعة الأساليب والمدارس الفنية والتقنيات جسد فيها المشاركون التنوع الثقافي والبيئي لكل محيط ينتمي إليه كل فنان رغم اختلاف اللغات الا ان جوامع الثقافة الاسلامية والهدف ومصدر الالهام جمعتهم على نبع واحد تمثل في القيم ومبادئ الإسلام العظيمة، كما ان لكون الفنون البصرية وفي مقدمتها الفن التشكيلي المتمثل في لوحات المشاركة في هذا المعرض لغة عالمية لا تحتاج إلى مترجم أكدتها مشاعرهم ولغتهم المشتركة الوانا وخطوطا ورموزا رغم اختلاف لغاتهم.
إطلالة بعيون زائر
يقول الدكتور عبد العزيز السبيل مستشار سمو وزير التربية والتعليم والمشرف العام على تطوير قطاعي الثقافة والإعلام في الوزارة الذي كان حاضراً لحفل الافتتاح وناقلاً رؤيته ورأيه في المعرض، كما جاء في زاويته في جريدة الشرق (اختارت مؤسسة ليان عدداً كبيراً من الفنانين والفنانات من مختلف دول العالم، ومنحتهم حرية التعبير عن المساجد الثلاثة (المسجد الحرام، المسجد النبوي، المسجد الأقصى) إما بلوحة فنية مستخدمين ما شاؤوا من تقنيات وعناصر وخامات، أو بخط متميز لآيات تعبر عن هذه المساجد المباركة.
معرض إسطنبول ضم لوحات لستة وعشرين من أبرز الفنانين والفنانات يمثلون سبع عشرة دولة من قارات أربع (آسيا، وإفريقيا، وأوروبا، وأستراليا). وقد حقق المعرض حضورا لافتا من حيث استخدام التقنية، مما يجعل الزائر عبر جهاز الآيباد المجاور لكل لوحة، يتعرف عن كثب على الفنان ورحلته في عالم الفن، وأبرز إبداعاته.
وعن مشاركة الفنانين السعوديين يقول د. السبيل:
كان للفنانين السعوديين حضوركبير، فالفنان الرائد عزيز ضياء احتل الصدارة بأعماله الثلاثة الأكثر تميزا وحجما. اعتمدت اللوحات بشكل أساس على الضوء واتجاهاته في محاولة للتعبير عن دلالات لهذه المساجد. في لوحة المسجد الحرام يتجه الضوء من الأعلى باتجاه المسجد، إيحاء ببدء رحلة الوحي، وفي لوحة المسجد النبوي، يتجه الضوء من المسجد إلى كافة الأنحاء، وفي لوحة المسجد الأقصى ينبثق الضوء من منطقة الوسط بين السماء والأرض، وكأن ذلك استحضار لرحلة المعراج.
الفنان عبدالله الشلتي لا تخطئ العين لوحته للمسجد الحرام فهو ذو أسلوب متفرد، قل من يتقنه. أما الفنان عبد الله حماس، المهموم بالفن ورسالته، فقد عكست لوحته حرفيته العالية، وإبداعه المتميز. الفنانة رائدة عاشور يأتي عملها مختلفا بتميز في تقنياته. وبوجودها خلال الافتتاح أضافت إلى لوحتها حضوراً شخصياً وتفاعلاً إيجابياً مع الجمهور. أما الفنانة نوال «مُصَلِّي»، فقد تم اختيار عملها عن المسجد الأقصى الذي جعلته يتربع مساحة خضراء.
أجواء المعرض أجواء إيمانية تذكر ببزوغ رسالة الإسلام من مكة المكرمة، والارتباط الإيماني بين القبلتين الأولى والثانية، عبر رحلة الإسراء والمعراج للنبي المصطفى عليه أفضل الصلاة والتسليم.
يمثل المعرض وحدة مشاعر الفنانين الإيجابية، رغم تباينها، تجاه رسالة الإسلام الإنسانية. وكثيرون يتطلعون إلى محطة المعرض القادمة في المدينة المنورة (عاصمة الثقافة الإسلامية)، حيث سيتم عرض جميع أعمال المعرض، التي أبدعها عشرات الفنانين المسلمين من بقاع جغرافية متفرقة تجمع بينهم روح الرسالة الخالدة.