بعد صدور الأحكام البديلة من المحاكم السعودية التي اعتمدتها وزارة العدل، فإنّ نجاح تطبيقها بلا شك يحتاج لقناعة المجتمع بها، خاصة أننا تعوّدنا سابقاً على حكم واحد فقط ألا وهو “السجن”، لذلك فقد تواجه الأحكام البديلة رفضاً مجتمعياً قوياً في بداية تطبيقه، ولا يتم الاعتراف به ضمن العقوبات الجزائية، خاصة في بعض القضايا مثل “الاعتداء بالضرب، أو المخدِّرات، أو التحرُّش بالفتيات”، مما يتطلّب من وزارة العدل جهداً أكبر في توعية المجتمع وتثقيفه بأهمية هذه العقوبات، من خلال وكالتها التي أنشأتها من أجل تفعيل هذا التوجُّه العقابي الجديد، والقائم على الإصلاح وتعديل السلوك للمعاقبين، أكثر منه إجراءً عقابياً قامعاً للسلوك المخالف للشرع أو النظام لفترة مؤقتة فقط! وأنّ الهدف من هذه العقوبات في نفس الوقت حماية الأحداث وصغار السن من مجتمعات السجون التي تحمل خبرات إجرامية مختلفة، وبلا شك ستؤثر تأثيراً أخلاقياً عليهم عندما يتم الحكم عليهم بالسجن فقط في حالة صدور سلوكيات جانحة منهم، خاصة في بعض القضايا الحسّاسة التي قد تحدث بسبب ظروف أُسرية صعبة، مثل “قضية عقوق الوالدين” التي لا تصدر من فراغ بل نتيجة تراكم خبرات أُسرية ونفسية سيئة تراكمت على مدى سنوات من الطفولة للمراهقة، وتم ترجمتها تجاه أحد الوالدين من خلال شخصية عدوانية ورافضة وناقمة، لما عاشته من حرمان وأذى خلال سنواتها الماضية! لذلك فإنّ الأفعال الصادرة من هذه الشخصية المضطربة تجاه والديْها خارج عن إرادتها وما يصدر منها لا يتم تعديله وإنهاؤه من خلال عقوبة السجن فقط، بل ستتطور المشاعر العدوانية لما هو أعمق وأسوأ من سابقه! حيث ستتحوّل إلى شخصية أكثر عداءً ويكون لديها استعداد كبير لاكتساب ما هو أسوأ من العقوق، وتتشرّب من السلوكيات الإجرامية الكثير، خاصة أنّ بيئة السجن بيئة تخلو من الضبط والفصل بين مرتكبي الجرائم المختلفة! فهناك فتيات تم الحكم عليهن بالسجن لمدة شهور بسبب عقوق الوالدين، ولأنّ أسرهن رفضن استلامهن مكثن في السجن ما يقارب السنة! وخلال هذه الفترة الزمنية عانين من مشاعر الرّفض الأُسري والإحساس بالظلم والاضطهاد المجتمعي لهن، لعدم استطاعتهن الخروج من السجن إلاّ مع ولي أمرهن سواء الأب أو الأم اللذان قد يرفضان استلامهن نهائياً بحجّة تأديبهن! ولذلك يتم تحويلهن لوزارة الشؤون الاجتماعية لإيداعهن بدور الضيافة حتى يتم التقريب ما بينهن وبينأسرهن، وبعد جهود مستمرة لإقناع أسرهن لاستلامهن ويتم بعد هذه الفترة الزمنية السوداء من حياتهن انتقالهن إلى أسرهن، لكن بعدما تشكّلت لديهن شخصيات أكثر اضطراباً وعداءً ليس تجاه أسرتهن فقط، بل تجاه المجتمع بأكمله لأنّ ما تعرّضن له يفوق حجم الفعل بكثير! أيضاً قضية التحرُّش بالفتيات التي قد يسبب عقابها بالسجن فقط إلى ممارسات سلوكية وجنسية خطرة يذهب ضحيتها شباب في مقتبل العمر! لذلك فإنّ وزارة العدل عندما سعت مشكورة لتفعيل إجراءات الأحكام البديلة أسوة بجميع دول العالم، فإنها بلا شك تدرك الآثار الإيجابية على المدى البعيد للجانبين النفسي والاجتماعي للمتعرّض للعقاب، وكذلك البعد السلوكي الذي يحتاج لفهم أعمق لمرتكبي هذه الأفعال الطائشة والتي بالإمكان علاجها من خلال الأسرة التي لا يمكن إغفالها في ذلك أبداً، وسيكون أمامها مسؤولية عظيمة تجاه أمانة ودقة ومهنية تطبيق هذه الأحكام على الكل بدون استثناء أو محسوبية، وذلك بالتعاون مع الجهات المعنية بالأمر.
moudy_z@hotmail.com - moudyahrani@ تويترhttp://www.facebook.com/groups/381099648591625/