(لا تكتمل الإنسانية إلا بثلاث: ترفّع عن الصغائر, وتسامح مع المقصرين, ورحمة بالمستضعفين)
- د.مصطفى السباعي-
غالباً ما نترك أنفسنا ننغمس في القلق بشأن أمور لو فحصناها عن قرب لوجدنا أنها ليست في واقع الأمر على هذه الدرجة من الأهمية, وقد تأخذ منا مجالاً للتفكير بها ونتحسّس منها ونأخذها بجدية حتى تكبر ونبالغ في تصرفاتنا ونضخم من الأمور ونصرّ على مواقفنا, وقد ينتهي الأمر بنا إلى تضييع حياتنا في التعامل مع مأساة تلو الأخرى..
وهناك العديد من الأمثلة المشابهة عن «صغائر الأمور» التي تحدث كل يوم في حياتنا سواءً كان ذلك نقد غير عادل, أو خلاف مع الزوجة بسبب تافه, أو تعليق ساخر من صديق!
وتكمن المشكلة في الاهتمام بشأن صغائر الأمور أنها تبعدنا عن سحر وجمال الحياة, وعن العطف واللين وحسن الظن بالآخر, وتبعدنا عن معالي الأمور التي طالبنا بها الرسول عليه الصلاة والسلام عندما قال: (إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفاسفها)..
وأود أن أقص عليكم قصة شخصية أعطتني درساً هاماً في حياتي.. عندما كنت ببداية تعلمي قيادة السيارة أستعرت سيارة صديقي لأجربها, وصدمت بها -صدمة خفيفة الحمدالله- وعندما رجعت إليه قلت له ما حصل واعتذرت له بكل حرارة وتقبّل اعتذراي.. وعندما رجعت إلى البيت احسست بالذنب فأرسلت إليه رسالة لأعتذر له مرة أخرى فردّ إليّ قائلاً: (ابراهيم!! لا تهتم بصغائر الأمور فكل الأمور صغائر).
كان هذا كل ما في الأمر.. لا محاضرات, لا حقد, لا خلاف ؛ فعلى الرغم من خطأي الواضح إلا أن صديقي نظر إلى الأمر بعين العطف كوني مبتدئاً! عندما نتعلم كيفية الرد على مجريات أمور حياتنا بدرجة أكبر من الهدوء ولا نهتم بالأمور الصغيرة؛ سنكون أكثر تركيزاً في أهدافنا وأمنياتنا في الحياة وسوف تمتلئ قلوبنا بالطيبة واللين والحكمة وتكون صافية من الحقد والكراهية، مثلما قال السباعي رحمه الله: «الصندوق الممتلئ بالجواهر لا يتسع للحصى, والقلب الممتلئ بالحكمة لا يتسع للصغائر».. ولنضع هذه الحكمة في أذهاننا ونتذكرها دائماً: (ثلثي العقل تغافل)..
owaisko@gmail.com