الفَتْوَى والفُتْيا هي: ذِكْرُ الحُكْم المسؤول عنه للسَّائل، أو: هي جوابُ المفتي.
وهي بهذا التعريفِ تَشمل ما يتعلَّق بالسؤال عن الحكم الشرعيِّ وغيره، والمقصودُ بها هنا: ما يتعلَّق بالحكم الشرعيِّ.
يقال: أَفتاهُ في المسألة يُفْتيه: إذا أجابَهُ. والاسم: الفَتْوى.
والحكمُ الشرعيُّ هو: حكمُ الله تعالى المتعلِّقُ بأفعال المكلَّفين.
خطورة الإفتاء في الإسلام:
والفتوى من المناصب الإسلامية السامية الجليلة، والأعمال الدينية الرفيعة، والمهامِّ الشرعية الجسيمة؛ يقومُ فيها المفتي بالتبليغِ عن ربِّ العالمين، ويُؤتمَنُ على شرعه ودينه؛ وهذا يقتضي حفظَ الأمانة، والصدقَ في التبليغ؛ لذا وُصِفَ أهلُ العلم والإفتاء بأنهم: ورثةُ الأنبياء والمرسلين، الواسطةُ بين الله وخَلْقه.
وقال النووي: «اعلم أنّ الإفتاءَ عظيمُ الخطر، كبيرُ الموقع، كثيرُ الفضل؛ لأنّ المفتيَ وارثُ الأنبياء صلواتُ الله وسلامه عليهم، وقائمٌ بفرض الكفاية، لكنه مُعَرَّضٌ للخطأ؛ ولهذا قالوا: المفتي مُوَقِّعٌ عن الله تعالى».
ويقولُ ابن القيم مبيِّنًا مكانةَ المفتي ومسؤوليتَهُ:
«وإذا كان منصبُ التوقيعِ عن الملوك بالمحَلّ الذي لا يُنكَر فضلُه، ولا يُجهل قَدْرُهُ؛ وهو من أعلى المراتب السَّنِيَّاتِ، فكيف بمنصب التوقيع عن ربِّ الأرض والسموات؟!
حذر السَّلف من الفُتيا:
وكان من عادةِ السَّلَفِ الحذرُ من الفُتْيا والفَرَقُ منها:
قال عبدالرحمن بن أبي ليلى: «أدركتُ عشرين ومئةً من الأنصارِ مِن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسأل أحدُهم عن المسألةِ، فيردُّها هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا، حتى ترجعَ إلى الأوَّلِ».
وقال أيضًا: «لقد أدركتُ في هذا المسجدِ عشرين ومئةً من الأنصارِ مِن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدٌ منهم يُحدِّثُ حديثًا إلا وَدَّ أن أخاه كَفاهُ الحديثَ، ولا يُسأل عن فُتيا إلا وَدَّ أن أخاه كَفاهُ الفتيا».
وقال عطاء بن السائب: «أدركتُ أقوامًا إنْ كان أحدُهم لَيُسألُ عن الشيء، فيتكلَّم وإنه ليُرعَدُ».
وروى الأعمش، عن أبي وائلٍ شَقيقِ بن سلمة ؛ قال: قال عبدالله بن مسعود: «من أفتى الناسَ في كلِّ ما يستفتونه، فهو مَجنونٌ».
قال الأعمش: قال ليَ الحَكَمُ: لو سمعتُ هذا الحديثَ منك قبل اليومِ؛ ما كنتُ أفتي في كثيرٍ مما كنتُ أفتي.
ورُوي عن ابن عباسٍ نحوُ قول ابن مسعود.
وقال أبو حَصين عثمان بن عاصمٍ: «إنّ أحدَهم ليُفْتي في المسألةِ، ولو وَرَدَتْ على عمرَ بن الخطَّاب رضي الله عنه لجَمَع لها أهلَ بدرٍ!.
وكان مالك بن أنس يقولُ: من أجاب في مسألةٍ، فينبغي من قبل أن يجيبَ فيها أن يعرضَ نفسَهُ على الجنةِ أو النارِ، وكيف يكونُ خلاصُه في الآخرةِ، ثم يجيبُ فيها.
قال النووي: قال الصَّيْمَرِيُّ والخطيبُ: «وقلَّ مَن حَرَصَ على الفُتْيا وسابَقَ إليها وثابَرَ عليها إلا قلَّ توفيقُهُ، واضطرب في أمره. وإن كان كارهًا لذلك غيرَ مُؤْثِرٍ له ما وَجد عنه مَنْدوحةً، وأحال الأمرَ فيه على غيره؛ كانت المعونةُ له من الله أكثرَ، والصَّلاحُ في جوابه أغلبَ».
واستدلاَّ بقولِه صلى الله عليه وسلم في الحديثِ الصحيح: «لا تسألِ الإمارةَ؛ فإنك إن أُعْطِيتَها عن مسألةٍ أُوكِلْتَ إليها، وإن أُعْطِيتَها عن غير مسألة أُعِنْتَ عليها».
مسند الإمام أحمد
من صفات المفتي:
وقال النووي أيضًا: وينبغي أن يكونَ المفتي ظاهرَ الوَرَع، مشهورًا بالدِّيانة الظاهرة، والصِّيانة الباهرة. وكان مالكٌ رحمه الله يعمل بما لا يُلْزِمُهُ الناسَ، ويقول: لا يكونُ عالمًا حتى يعملَ في خاصَّةِ نفسِهِ بما لا يُلزمه الناسَ ؛ مما لو تَرَكَهُ لم يأثمْ، وكان يحكي نحوَهُ عن شيخِه ربيعةَ.
وينبغي للمُفْتي أن يكون حَذِرًا من تلبيسِ إبليس الذي لبَّس به على بعض المنتسبينَ إلى الفقه؛ فيما ذكره ابنُ الجوزي بقوله: «ومن ذلك: أن إبليسَ لبَّس عليهم بأنَّ الفقهَ وحده علمُ الشرعِ، ليس ثَمَّ غيرُهُ، فإن ذُكِر لهم مُحَدِّثٌ قالوا: ذاك لا يفهم شيئًا، وينسون أنَّ الحديثَ هو الأصلُ، فإن ذُكِر لهم كلامٌ يَلين به القلبُ قالوا: هذا كلام الوُعَّاظ.
ومن ذلك: إقدامُهم على الفَتْوى وما بلغوا مرتبتَها، وربما أفتَوا بواقعاتهم المخالفةِ للنصوصِ، ولو توقَّفوا في المشكلات كان أولى.
سائلاً الله للجميع الهداية والتوفيق وحسن العمل.