|
ايمون كيرشر ألين - آنيا شيفرين (نيويورك) - خاص بــ( الجزيرة):
عندما ظهر رسم جداري في الربيع الماضي على أحد الجدران بالقرب من وزارة الداخلية في تونس، يحمل الكلمات الآتية «شكراً للفيسبوك»، لم يكن ذلك مجرد ثناء على شركة تعمل في مجال التواصل الاجتماعي، وساعدت في اندلاع انتفاضة البلاد، بل كان أيضاً بمنزلة احتفال بحس الخبرة المشتركة التي حددت هيئة الثورة التونسية والاحتجاجات والثورات التاريخية الأخرى العديدة التي اندلعت في عام 2011م.
وكما اكتشفنا أثناء جمعنا للمقالات لكتابنا الجديد «من القاهرة إلى وال ستريت: أصوات من الربيع العالمي» فإن إحدى الخصائص المميزة للعصر الجديد من الاحتجاجات تتلخص في تلاحم الرغبة والقدرة على التواصل عبر الأحياء، والمدن، والدول، بل حتى القارات. ففي كل بلد مشارك تخلل وعي جديد بالمصائر المشتركة والمجتمع العالمي عبر حركات الاحتجاج. وكانت تكنولوجيا التواصل الاجتماعي إحدى الأدوات التي دعمت هذا الوعي، ولكن كذلك كان المدلول الجديد لمعنى الحيز العام، والرأي القائل بأن تعدد الأفكار يتفوق على المعتقد، وأن التعاون في حد ذاته لا يقل أهمية عن النتائج.
وعلى هذا، فإن هذه الانتفاضات لم تكن مجرد ثورات سياسية. بل كانت أيضاً ثورات أفكار - عولمة الاحتجاج كاستراتيجية.
لا شك أن شكاوى ومظالم المحتجين تختلف اختلافاً كبيراً وفقاً للظروف المحلية (على الرغم من الاتساق المذهل عبر مختلف المناطق وحتى البلدان، عندما يتعلق الأمر بقضايا مثل الإسكان، والبطالة، والتفاوت بين الناس، وإحباط الشباب الذين اجتهدوا في الدرس والتحصيل لكنهم عاجزون عن الحصول على وظائف). ومن ناحية أخرى، فإن فلسفة التغيير من خلال العمل الحاشد والتعاوني والشامل أصبحت مشتركة بين كل الحركات تقريباً، وتتلاقح فيما بين هذه الحركات.
ولنتأمل هنا حالة تونس؛ حيث يحكي الناشط محب بن جروي، 24 عاماً، في كتابنا كيف انطلق المواطنون التونسيون من الطوائف والفئات كافة إلى الشوارع لاحتلال الميادين والمطالبة بحقهم في تقرير مستقبل بلادهم. لا شك أن الفيسبوك ساعد كثيراً، لكن ذلك كان في الأساس لأنه عمل على تضخيم العملية وتسريع وتيرتها.
وكما هي الحال في بلدان أخرى، فإن الاستيلاء على الأرض في حد ذاته كان يعني الكثير بالنسبة للمحتجين. ففي ميادين تونس ومصر غمرت مشاعر البهجة والسعادة المتظاهرين، الذين تجرعوا من قبل مشاعر الغربة والعزلة تحت حكم الأنظمة القمعية في البلدين، عندما اكتشفوا أنهم ليسوا وحدهم، وأصبح الاعتصام في الميادين أكثر من مجرد عمل للتعبير عن التحدي؛ ففي إسبانيا واليونان وفي حركات «احتلوا» في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، تحولت المناطق المحتلة إلى أماكن؛ حيث بات من الممكن إقامة مجتمع ديمقراطي جديد، وفي بعض الأحيان من خلال عملية الجمعية العامة المستهلكة للوقت في اتخاذ القرار الجماعي.
وفي اليونان وإسبانيا أخبرنا المحتجون بأن قصص جيرانهم كانت بمنزلة الإلهام. كان الناس يفضون بهمومهم للغرباء. وبينما اعتصم «الساخطون» في إسبانيا في الميادين فقد شعروا لأول مرة باتصالهم الوثيق بالناس في مجتمعاتهم، وهو الشعور الذي بات يشكل جزءاً كبيراً من السبب الذي حملهم على البقاء هناك.
وفي كتابنا، تبين قصة المحتج المصري جواد نابلسي، 29 عاماً، كيف استخدم بعض الناشطين التكنولوجيا لحشد الناس. فقد كتب نابلسي، الذي عمل لصالح جمعيات خيرية في صعيد مصر، ساعدت في جمع المال لتوفير مياه الشرب والطاقة الكهربائية للأسر الفقيرة، عن الكيفية التي أثر بها كتاب مالكولم جلادويل «نقطة التحول»، وكتاب جيم كولينز «مستعد لبلوغ المجد»، على طريقة تفكيره في التغيير الاجتماعي.
فكتب نابلسي: «لقد ذهبت إلى القرى والأحياء الفقيرة؛ فأدركت مدى عمق المشاكل في هذه الأماكن، وافترضت أنها غير قابلة للحل. فكنت أقول لنفسي إنها مشاكل هائلة، وكل المحاولات سوف تكون أشبه بإلقاء شيء ما في بحر واسع». وعندما قرأ نابلسي كتابات جلادويل وكولينز أدرك أنه لم يكن بحاجة إلى تغيير البلد بالكامل، بل مجرد «حلقة من اللاعبين الأساسيين الذين يمتلكون القدرة على التأثير»، وأنه «ما عليه إلا أن يركز على العمل مع قادة المجتمع». ثم بدأ في إنشاء مجموعات على الفيسبوك من أجل الربط بين الناس من المتماثلين في الفكر والتوجهات.
واكتسبت هذه المجموعات حياة خاصة بها. وعندما أدرك الناس أن هناك آخرين يشاطرونهم مشاعر الإحباط نفسها تملكت منهم الرغبة في جعل أصواتهم مسموعة في ميدان التحرير، ومثلهم مثل الإسبان، أعادوا اكتشاف مجتمعهم. وعن طريق الأقمار الصناعية، وتويتر، والفيسبوك، بُثَّت الرسالة نفسها إلى العالم.
الواقع أن التأثير السياسي المباشر لهذه الوسيلة الجديدة في التواصل ضئيل؛ فقد نجحت مصر وتونس وليبيا في تغيير الأنظمة الحاكمة، ولكن من غير الواضح حتى الآن ما هو الدور الذي سوف يلعبه الثوريون المثاليون الشباب في مستقبل مجتمعاتهم، هذا إن كان لهم أي دور.
ففي مصر الآن، أصبحت قوة المؤسسة العسكرية أكثر تركيزاً مما كانت عليه في عهد الرئيس السابق حسني مبارك. وفي الولايات المتحدة لن تخلف احتجاجات 2011 أي أثر دائم إلا إذا ظلت حركات «المحتلين» منظمة، واستمرت في العمل على مكافحة عمليات حبس الرهن العقاري. ومن المؤكد أن المنتمين إلى هذه الحركات لن يجدوا في أنفسهم الدافع إلى دعم حملة الرئيس باراك أوباما لإعادة انتخابه إذا أصبحت أصواتهم مسموعة في البيت الأبيض كما كانت في متنزه زوكوتي وغيره من الأماكن العامة من أوكلاند إلى ماديسون.
ولكن حتى لو لم تكن مكاسب هذه الحركات مؤكدة فإن طريقة التواصل التي خلقوها من المرجح أن تدوم. ومع استشهاد الأمريكيين بالمصريين والإسبان باعتبارهم إلهاماً مباشراً، والتلاقح بين المجتمعات على شبكة الإنترنت من سوريا إلى أوروبا، واستمرار الإقبال القوي على الاحتشاد في المظاهرات الاحتجاجية كتلك التي تم تنظيمها في الأول من مايو/ أيار 2012 في الولايات المتحدة، فمن الواضح أن روح المجتمع الواحد ولِدَت لتبقى. وفي مختلف أنحاء العالم بات من الواضح أن الاحتجاجات سوف تستمر إذا لم يستجب الساسة لمطالب العدل والحرية والمستقبل الأكثر ازدهاراً، والحكومات التي تخدم الناس حقاً.
(*)إيمون كيرشر ألين باحث ومحرر في كلية كولومبيا لإدارة الأعمال. آنيا شيفرين مديرة برنامج الإعلام والاتصالات لدى كلية الشؤون الدولية والعامة في جامعة كولومبيا. ولقد اشترك الاثنان في تحرير كتاب «من القاهرة إلى وال ستريت: أصوات من الربيع العالمي».
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2012.
www.project-syndicate.org