يتفق الجميع بأنه ليس هناك ملك أو زعيم في العصر الحديث أولى ثقافة الحوار اهتماماً منقطع النظير وبسجل ناصع البياض لا يضاهى وغير مسبوق لما قدمه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود.
فالحقائق على الأرض تؤكد ذلك وهي كثيرة ومتنوعة ويطول ذكرها، ولعل من أهمها جهوده المضنية في مجال الحوار من أجل عالم ينعم بالسلام والرخاء، وذلك خلال عام 1429هـ الموافق 2008م.
ففي ذلك العام حضر شخصياً ثلاثة مؤتمرات لدعم ثقافة الحوار وتعزيزها والتأكيد عليها وبأنها الطريقة الوحيدة نحو عالم ينعم بالسلام والاستقرار. وكانت بداية هذه المؤتمرات هو مؤتمر مكة المكرمة الذي عقد في التاسع والعشرين من شهر جماد الأولى عام 1429هـ، الموافق 4 يونيو 2008م تحت مسمى المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار بين المذاهب الإسلامية والذي نظمته رابطة العالم الإسلامي لمدة ثلاثة أيام وشارك فيه أكثر من 500 من الشخصيات الإسلامية والعلماء من مختلف الطوائف والمذاهب الإسلامية. ووجه كلمته لمؤتمر مكة المكرمة قائلاً “أننا صوت تعايش وحوار عاقل وعادل، صوت حكمة وموعظة وجدال بالتي هي أحسن”. وتبع هذا المؤتمر بعد شهر تقريباً مؤتمر مدريد العالمي للحوار بين أتباع الرسالات الإلهية والحضارات والثقافات والذي نظمته رابطة العالم الإسلامي في الفترة الواقعة بين 12ـ14 رجب 1429هـ، الموافق 16ـ18 يوليو، في العاصمة الأسبانية مدريد. وحظي المؤتمر بتغطية إعلامية دولية واسعة النطاق ومرحبة بجهود خادم الحرمين الشريفين لتعزيز التعايش الدولي ومنها ما جاء على لسان مراسلة شبكة السي. إن. إن العالمية أوكتافيا ناصر والتي عقبت على المؤتمر بالقول “إن الملك عبدالله بن عبدالعزيز صنع التاريخ بمبادرته تلك ووجدت ترحيباً لدى الأوساط الدينية”. وفي الثالث عشر من شهر ذي القعدة 1429هـ، الموافق 12 نوفمبر 2008م وبحضور خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وممثلين لوفود أكثر من سبعين دولة بينهم 17 رئيساً ورئيس وزراء افتتح في مقر الأمم المتحدة بنيويورك الاجتماع العالمي السنوي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات والحضارات. وصرح وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل وقتها بأن اجتماع نيويورك هو امتداد وتأييد لمسيرة الحوار بين أتباع الأديان والشعوب وفقاً لإعلان مدريد. وأنه تأكيـد لتوافر الإرادة السياسية الدولية لنشر قيم الحوار والتسامح ومكافحة أفكار التطرف والإقصاء. وتوج خادم الحرمين الشريفين جهوده في تعزيز ثقافة الحوار على المستوى الدولي بإنشاء مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، والذي اختيرت العاصمة النمساوية فيينا مقراً له وسوف يتم افتتاحه رسمياً في نهاية السنة الحالية.
وعوداً لمؤتمر مكة المكرمة للحوار بين المذاهب الإسلامية والذي بدأ فيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز سلسلة مؤتمرات لتعزيز ثقافة الحوار بين المسلمين وغير المسلمين، فلقد مثل الجمهورية الإسلامية الإيرانية لذلك المؤتمر آية الله أكبر هاشمي رفسنجاني رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام ورئيس مجلس الخبراء والرئيس السابق للجمهورية الإسلامية الإيرانية. واستبشر الكثير بالمشاركة الإيرانية وبأنها ستكون داعمة لقضايا الأمة الإسلامية ومساندة لها، ولكن ما حدث كان عكس ذلك بالمطلق؛ فمنذ عام 2008م تحديداً وحتى الآن مرت العلاقات الإيرانية العربية والخليجية تحديداً بما يمكن تسميته بالسنوات الست العجاف، كانت الجمهورية الإسلامية هي الوحيدة المسئولة عن تردي هذه العلاقات لتصل إلى ما وصلت إليه، وبدا الأمـر وكأن هناك أجندة خفية وراء هذا التدهور المتعمد من قبل إيران والذي لا يمكن تفسيره منطقياً ولا أخلاقياً.
تدخلت إيران وبشكل سافر في شؤون العراق وأصبحت المسيّرة لما يحدث فيه وشجعت الميلشيات الموالية لها على القتل على الهوية وفرقت بين أبناء الوطن الواحد على أسس مذهبية لم يعرفها العراق في تاريخه القديم والحديث. ولم تكتف بذلك بل استولت على مساحات واسعة من الأراضي العراقية المتاخمة لحدودها والغنية بالموارد النفطية. ولم يعرف اليمن قط الحرب على أسس مذهبية إلى أن تدخلت إيران في الشأن الداخلي اليمني وحرضت جماعة الحوثيين ضد الدولة وبشن حرب عصابات ضد المملكة تمكنت القوات السعودية من دحرها وهزيمتها. وفشل التمرد وانتصرت إرادة الشعب اليمني بدعم متواصل ومباشر من قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والتي ساعدت اليمن من تجاوز محنته وحرب أهلية ضروس لو اشتعلت لكانت حرب دموية ستنهي اليمن وتشله.
وبخصوص تدخل إيران في لبنان فحدث ولا حرج فقد خلقت دولة داخل دولة من خلال ذراعها حزب الله والذي قوض ويقوض باستمرار كل الجهود للبنان واحد مدني موحد لكل مواطنيه باختلاف مذاهبهم وطوائفهم. وأصبح الوضع السياسي والأمني في لبنان على كف عفريت لا يستطيع أكثر المحللين السياسيين خبرة معرفة خباياه وأصبح اللبنانيين كمن يعيش فوق فوهة بركان لا يعرفون متى سيتوهج وينفجر.
وملفات شبكات التجسس الإيرانية أصبحت تعمل في كل أرجاء الوطن العربي والإسلامي، ويُذكر هنا الشبكات التي كشفها في كل من جمهورية مصر العربية بقيادة دبلوماسي إيراني يعمل في السفارة الإيرانية في القاهرة. وشبكة التجسس الإرهابية التي كشفت عنها قطر والتي كانت تخطط لتفجير جسر الملك فهد الرابط بين البحرين والسعودية بالإضافة إلى أعمال تخريبية أخرى في البحرين. وشبكة التجسس التي أعلن اليمن مؤخراً القبض على أفرادها. شبكة التجسس الإيرانية في دولة الكويت والتي تمت محاكمة أفرادها محاكمة عادلة وشفافة لا يمكن ولا في الأحلام أن يتوافر مثيلها في إيران.
وملف التشيع الإيراني ملف واسع يصعب على المرء أن يتناوله من كل أطرافه. فلم يبق جزء من الوطن العربي والإسلامي وحتى الجاليات الإسلامية في كافة القارات إلا وكان لإيران موطن قدم فيه. هذه الدولة التي تحاصر مواطنيها السنة في الأقاليم الممتدة على طول الساحل الشمالي للخليج العربي بعدم السماح لهم ببناء مساجد يتعبدون فيها وحتى الأسماء العربية التي يرون فيها تهديداً لهم لا يسمحون لأبناء السنة حملها، هذه الدولة التي تفعل كل هذا لا تجد ضيراً في أن تسمح لنفسها وبكل صلافة أن تنشر المذهب الشيعي أينما كان وأينما أتفق.
وفيما يخص الخليج العربي فالمسؤولون الإيرانيون لا يتركون فرصة إلا ويؤكدون فيها بأن الخليج ملك خاص لإيران. ويستشيطون غيظاً لو أن مؤسسة بحثية أو خطوطا جوية عالمية استخدمت مسمى الخليج العربي عوضاً عن الخليج الفارسي ويقاطعونها اقتصادياً. علماً بأن الاسم الرسمي الذي تعترف به هيئة الأمم المتحدة للخليج هو مسمي الخليج العربي. وهذا هو رئيس هيئة الأركان الإيراني يصرح بأن الخليج ملك لإيران تفعل فيه ما تشاء.
وفي الآونة الأخيرة زار رئيسها جزيرة أبو موسى الإماراتية المحتلة مع أخواتها طنب الكبرى وطنب الصغرى. وعوضاً أن تفعل إيران ما قامت به كل من قطر والبحرين عندما اختلفتا على أرخبيل حوار وشفت الديبل فلقد، أحالا الأمر إلى محكمة العدل الدولية ورضيا بالحل الدولي عن قناعة. وهو الأمر الذي تطالب به الإمارات انطلاقاً من مبادئ الأخوة وحسن الجوار، ولكن الصلف الإيراني يضع أذناً من طين وأخرى من عجين لكل المطالب الإماراتية. ومع ذلك لم تنتقم الإمارات لنفسها بترحيل الجالية الإيرانية الكبيرة التي تعيش على أراضيها وتمارس نشاطاتها التجارية والدينية بكل حرية من هذا الموقف الإيراني وكان بإمكانها أن تفعل ذلك ولكن مروءة وشهامة حكام الإمارات حالت دون ذلك.
وفيما يتعلق بمملكة البحرين وما قامت به الحكومة الإيرانية ضدها فهو لأمر واضح كالشمس في رابعة النهار. بداية بمناصرة حقوق الشيعة في البحرين ونهاية بأن البحرين جـزء لا يتجزأ مـن الجمهورية الإيرانية. ولقـد صرح بهذا الأمر العديد من المسئولين الإيرانيين وبين الفينة والأخرى وكان آخرها ما صرح به كل من رئيس مجلس الشورى الإيراني السيد/ علي لاريجاني والنائب حسين على شهرياري الذي صرح قائلاً “البحرين هي المحافظة الـ14 الإيرانية ثم انفصلت عام 1971م”. بينما يقول رئيس مجلس الشورى السيد/ لاريجاني في تصريح له في شهر مايو المنصرم “البحرين ليست لقمة سائغة يمكن ابتلاعها بسهولة وبأن مشروع الاتحاد ليس إلا سلوك بدوي ستكون له تداعيات سيئة”. وأنه لأمر حقاً مثير للشفقة والضحك إدعاء بأن البحرين هي جزء من إيران، أمراً تدحضه حقائق التاريخ والجغرافيا. فشعب البحرين بشيعته وسنته من قبائل عربية عريقة سكنت البحرين قبل الإسلام، وكان آخر حكامها قبل الإسلام هو المنذر بن ساوي التميمي الذي أسلم ومعه قومه. وتولى حكمها من بعده مبعوث رسول الله عليه الصلاة والسلام الصحابي الجليل العلاء بن الحضرمي. على كل حال الحقائق لا يمكن تجاوزها مهما حاول المغرضون فأشعة الشمس لا يمكن حجبها بغربال. أما قول السيد/ لاريجاني عن مشروع الاتحاد الخليجي بأنه سلوك بدوي فليعلم السيد/ لاريجاني بأن أهل الخليج يفتخرون ببداوتهم ومتعلقون بأرضهم وسوف يدافعون عنها بكل غالٍ ونفيس وحتى آخر قطرة دم و لنا في دروس التاريخ عبرة.
وبالنظر إلي الملف النووي الإيراني فلو تم إجراء استطلاع بين شعوب منطقة الخليج حول تأييدهم أو معارضتهم له قبل خمس أو أربع سنوات لجاءت نتيجته بأن الأغلبية الساحقة من المستطلع رأيهم وبغض النظر عن مرجعيتهم المذهبية سنية كانت أو شيعية كانوا سيؤيدون إيران في أحقية الحصول على التكنولوجيا النووية.
بيد أنه لو تم إجراء الاستطلاع في الوقت الحالي لحدث العكس تماماً وبأغلبية ساحقة خصوصاً من السنة. ولقد أيد المسئولون الرسميون كذلك حق إيران في الحصول على التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية، ومنه ما جاء على لسان الأمير سعود الفيصل. ولكن تصرفات الحكومة الإيرانية السلبية ونواياها السيئة وتدخلاتها السافرة وخصوصاً في السنوات العجاف الست التي خلت جعلت الجميع شعوباً وحكومات لا يثقون فيها مطلقاً. حتى أن غالبية شعوب المنطقة أصبحوا متأكدين بأن هناك مؤامرة خفية وأمر دبر بليل بين أيران والقوى الغربية لجعل منطقة الخليج العربي في توتر مستمر لا ينتهي أبدا.
ختاما يقول السيد/ لاريجاني في تصريح له في شهر مايو المنصرم “ نحن نقف الآن على عتبة خيارين، أما البقاء في سباق الصراع بين الشيعة والسنة الذي صنعه الغرب ويستفيد منه، أو التوجه نحو الاستفادة من مقدراتنا الاقتصادية والنفطية وتمكننا من تكنولوجيا الذرة للدفاع عن حقوقنا ومصالح شعوبنا “.
ينطبق على ما قاله السيد/ لاريجاني المثل المصري الذائع الصيت الذي فحواه: أسمع كلامك أصدقك، وأرى أفعالك واستعجب منها.
أما آن الأوان للقياد الإيرانية أن تفهم الدرس أم أنها سوف تستمر في سياستها العدائية لسنوات ست عجاف قادمة؟!
*باحث إعلامي
Alfal1@ hotmail.comباحث اعلامي