تعكس الدراما التلفزيونية ثقافة المجتمع وهويته وتعالج قضاياه ومشكلاته، وهي ليست حكاية طريفة تمتد لثلاثين حلقة بلا هدف أو مضمون يخاطب العقل، فالمسلسل التلفزيوني ليس “نكتة” ويُلبسها كاتب السيناريو قضية، أي قضية، حتى نعتبر عمله التلفزيوني كوميدياً، بل قضية، يمكن أن ترتدي “النكتة” لتصل الرسالة إلى المشاهد في قالب كوميدي، هذه هي الكوميديا الحقيقية.
كوميديا حقيقية مثل مسلسل “أجانب في أميركا” الذي عرضته قناة “سي دبليو” الأميركية عام 2007 وحمل قصة ومضموناً، ويحكي معاناة فتى باكستاني تعرض لمشكلات في أميركا سببها الاختلاف الثقافي، وهو مليء بالكوميديا الهادفة، وأعمال أخرى أميركية عاشت لسنوات في عقول من تابعوها لأنها تحوي أفكاراً وتخاطب العقل، وتجعلك تضحك وأنت مقتنع بما رأيت وسمعت.
ولأننا في رمضان شهر ازدهار صناعة التلفزيون، لاحظت وغيري كثيرين انحداراً كبيراً في الأعمال المسماة زوراً “كوميدية”، مرده بالتأكيد لغياب المحترفين الذين يعرفون متى وكيف ولماذا يضحك المشاهد “على طريقة صناعة الكوميديا في أميركا”، فالمشاهد الذي منح وقته للشاشة ليمضي وقتاً ممتعاً، تفاجأ هذا العام أكثر من أي عام مضى برداءة الإنتاج الكوميدي واعتماده على التهريج والحركة العشوائية أمام الكاميرا بداعي التعبير الحركي “الكوميدي” الذي باعتقادهم يتمم المشهد الكوميدي ويجعل المشاهد “ينبطح أرضاً من الضحك”!
وفوق التهريج والتصنّع، واستخفاف الدم، يصر هؤلاء الممثلون ومن ورائهم أنصاف الكتَّاب على إظهار الشاب الخليجي بصورة سيئة وغير مقبولة، وكأن الشاذ هو السائد، من حيث السلوك والمظهر واللغة والأسلوب.
أكتب رأيي هنا ولست من النقاد، لكن من المشاهدين الذين تحاصرهم الأعمال الخليجية المخجلة من كل جانب، تلك الأعمال التي تنتمي للفن الخليجي المصاب بالشلل الكامل منذ نهاية الثمانينات الميلادية، وحاول ثنائي طاش ما طاش تحريك شيء من الجسد المشلول، ثم انتهت المحاولات التي نجح بعضها.
مشكلة كبرى أخرى في ما يُسمى بالفن الخليجي أو الدراما الخليجية وهو دخولها في نفق الحزن واستجداء الدموع، وإحاطة المشاهد بكم هائل من الكآبة، ومرد هذا بتصوري للفشل الذريع في صناعة الكوميديا وفراغ الساحة الفنية من كتّاب يقدرون على إضحاك المشاهد وإقناعه، إضافة إلى مشكلات اجتماعية وثقافية ألقت بظلالها على هذا النوع من الأعمال.
بين حزن مصطنع وهموم مختلقة “فنياً على الأقل” تقترب من خرافات الأفلام الهندية، وتهريج وابتذال وحركات قد تقبل من “الأراقوز” وليس الممثل صاحب الرسالة والفن الراقي، نحن بحاجة إلى وقفة وإعادة نظر، وأرجو أن لا يأتينا أحدهم ليبرر ويقول هذه ذائقة الجمهور! لأن من غير المقبول الاستخفاف بعقول الجمهور الذي بات اليوم أكثر وعياً وفهماً وإدراكاً.
نجوم الخليج الحقيقيون برأيي هم أصحاب برامج “اليوتيوب” الشباب الواعي والمتعلم والذي يمتلك الموهبة والقدرة على إضحاكنا ومعالجة مشاكلنا ومشاركتنا همومنا، هؤلاء هم الممثلون والكتّاب الذين يستحقون الدعم والمعاونة والمؤازرة، وأقول لهم لا تحرموا أنفسكم من جماهيرية أكبر وفئات أكثر تستمتع بكم وتستمتعون بمتابعتها لكم عبر التلفاز، وهنا أيضاً دعوة للقنوات التلفزيونية، لتتبنى إنجازات هؤلاء ليسحبوا البساط من أنصاف الممثلين وأنصاف الكتّاب الذين شوّهونا وشوّهوا الفن الذي ينتمون إليه للأسف.. وبعد نهاية الشهر الكريم أتمنى أن يجرى استطلاع وبحث على أساس علمي، لنعرف ذائقة الجمهور المظلوم!
Towa55@hotmail.com@altowayan