روى أبو هريرة، رضي الله عنه، عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية، أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له»، والصدقة الجارية محمولة على الوقف عند العلماء، وهو من أعظم القربات عند الله سبحانه وتعالى.
بعد أن سمع أبو طلحة، رضي الله عنه، قوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}، قال: يا رسول الله إن الله يقول: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}، وإن أحب أموالي إلي (بيرحاء) وإنها صدقة لله تعالى، أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها حيث أراك الله، فقال: «بخ ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين».
وروى ابن عمر رضي الله عنهما «أن عمر أصاب أرضاً من أرض خيبر، فقال يا رسول الله: أصبت مالاً بخيبر لم أصب قط مالاً أنفس منه، فما تأمرني، فقال: (إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها) قال: فتصدق بها عمر، وعن عثمان بن عفان، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة، فقال: «من يشتري بئر رومة فيجعل منها دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة، فاشتريتها من صلب مالي».. وروي عن جابر، رضي الله عنه، أنه قال: (لم يكن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذو مقدرة إلا أوقف).
الوقف من أجمل صور التراحم بين المسلمين، ومن أعظم الصدقات الجارية التي تبقى وإن ارتحل المؤمن عن دنياه الفانية، وفيه ضمانة لجريان الصدقة التي قد تنقطع بموت المؤمن إن لم يبره ورثته بعد موته، وفيه من الوعي بالمسؤولية الاجتماعية الكثير، وفي الوقف تتنوع المصارف وتتوزع وتُسهم أنهاره في البناء والإنفاق على المحتاجين.
ويحسب للجمعيات الخيرية، ومنها جمعية الأطفال المعوقين، إحياء سنة الوقف من خلال طرح المشروعات الوقفية المنظمة التي تُسهل على المحسنين المشاركة فيها.
مشروع «خير مكة» من المشروعات الوقفية الاستثمارية المهمة التي أضيفت إلى منظومة أوقاف جمعية الأطفال المعوقين المتنوعة في المملكة، وهي الجمعية الرائدة التي نجحت بكفاءة في بناء منظومة وقفية تساعدها على دعم مصاريفها التشغيلية والإنفاق على عشرات الآلاف من المحتاجين.
يتكون المشروع، في مراحله الأولى، من ستة مبانٍ سكنية في مكة المكرمة مخصصة للاستثمار، حيث تبلغ كلفة المشروع في مراحله الأولى 35 مليون ريال.. طرح أسهم المشروع بقيمة ألف ريال للسهم، يساعد غير الأثرياء على المساهمة في الوقف، وهذا أمر غاية في الأهمية لمن يريد أن يوقف ولا يمتلك المال الكافي للإنفاق على وقفه المستقل.
الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكة المكرمة، قال في تدشينه المشروع «إن هذه المشاريع دليل على تحضر الفكر الإسلامي في الأوقاف والزكوات، وكما هو مذكور في الأدبيات الإسلامية لو توجهنا إلى الأوقاف والزكوات لما بقي في العالم الإسلامي فقير أو محتاج، ونحن في المملكة تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أصحاب مثل هذه المبادرات الناهضة والمشاريع الشجاعة».
قد يحتاج المجتمع إلى المبادرات الطموحة، والمنظمة التي تعين أفراده على الإنفاق، وكلما توسعت الجمعيات الخيرية في طرح مبادراتها ومشروعاتها الوقفية، ضمنا، بإذن الله، مساهمة أفراد المجتمع فيها.
الأمير سلطان بن سلمان رئيس مجلس إدارة جمعية الأطفال المعوقين قال إن الجمعية «اعتمدت آلية طرح المشروع للاكتتاب العام للداعمين من فاعلي الخير، حيث تتاح الفرصة لامتلاك أسهم خيرية مسجلة وموثقة في بادرة غير مسبوقة تساهم في فتح آفاق لشرائح واسعة من أبناء الوطن ومؤسساته وشركاته للإسهام في بلورة هذا المشروع في أم القرى» وهذه خدمه قدمتها الجمعية لأهل الخير ممن يبحثون عن المشروعات الوقفية للإسهام فيها.
دعم وقف جمعية الأطفال المعوقين، وأوقاف الجمعيات الأخرى، مطلب شرعي، ووطني وإنساني، ويجب على الأغنياء ورجال المال والأعمال وكل من توفرت لديه القدرة المالية المشاركة فيها، فعشرة آلاف ريال قد لا تعني شيئاً في الدنيا ولعلها تكون سبباً بدخول مُنفِقها الجنة، يوم لا ينفع مال ولا بنون.
f.albuainain@hotmail.com