خلال الثلاثين عاماً الماضية، حصلت تغييرات كبرى في مجتمعنا ما زلنا نكتوي بآثارها حتى اليوم، ولئن مضت السنون الماضية بسلام، فإننا اليوم نعيش في عالم متسارع ومختلف، وما كان يمر مرور الكرام فيما مضى أصبح يمحص الآن، فقد أصبح العالم قرية صغيرة تترابط أحداثه، ويؤثر بعضها ببعض، إذ ليس غريبا أن تنشر جريدة غربية شطحة قالها صاحبها في مدينة معزولة، ثم تكون نتيجة ذلك وخيمة على أهل البلد عامة، ويعلم المختصون بالإعلام مدى الأثر السلبي الذي تحدثه الفرقعات الإعلامية غير المحسوبة، والتي أصبحت ديدن كثيرين هذه الأيام، فمن أحكام فقهية لا علاقة لها بالعصر، إلى لغة طائفية مقيتة، إلى دعوات للعنف، وغير ذلك مما لا يتسع المجال لذكره.
كان مجتمعنا يعيش بسلام مع نفسه ومع الآخرين، وكان علماؤنا الأوائل مثالا للسمت والخلق، وكانوا يتحاشون الظهور الإعلامي إلا للضرورة القصوى، وكان أحدهم يحسب ألف حساب للرأي والفتوى، ولم يكن غريبا أن يقول أحدهم لا أعلم، فقد كانوا يقتدون بالسلف الصالح، وأذكر أن أحد مشائخنا الفضلاء كان يتهرب من الفتوى، وكان يقول إني لست خيراً من الإمام مالك رحمه الله، الذي كان يردد عندما يسأل عن مسألة» «والله لا أعلمها ولا أقول فيما لا أعلم، ولا يغرنّك طول لحيتي والتفاف الناس من حولي، والله لا أعلمها لا أعلمها»، هذا مع أنه يقال: «لا يفتى ومالك بالمدينة!». فما الذي تغير يا ترى؟.
لقد تسلم زمام المبادرة أنصاف طلاب العلم، والذين تخرج أحدهم للتو من الجامعة، فتلقفتهم وسائل الإعلام التي لا تفرق بين العالم والمتعالم، فأصبحــــوا نجوما، مثلهم مثل النجوم في أي حقل آخر، فترى أحدهم يلبس ويركب آخر ما تنتجه مصانع الغرب، ثم يلقي محاضرة يشتم فيها الغرب وأهله، وتجد آخر يغادر منزله الذي يعج بالخادمات والسائقين من مختلف الجنسيات، ثم يلقي محاضرة عن الاختلاط، فالهدف ليس التوعية، بل ملء الفراغ الفضائي، وتعبئة الجيب بالعملة الصعبة، وهم يتكاثرون بشكل يفوق كل تصور، إذ ليس غريبا أن تجد شابا في مقتبل العمر، وهو يرتدي مشلحا من أجود الأصناف، ويتعامل معه الناس على أنه «عالما» فذا، مع أن نصيبه من العلم الشرعي لا يتجاوز ما درسه في المرحلة الجامعية، ولا يؤهله لأكثر من وظيفة «معلم» أو «موظف حكومي».
وفي الأخير، لقد بلغ السيل الزبى، ولا بد من وقفة محاسبة، حفظا لجناب الدين من جهة، ولأجل سمعة الوطن وأهله من جهة أخرى، فليس معقولا أن يسيء أولئك المهووسون بالشهرة والأضواء للوطن وأهله بهذا الشكل الفاضح، وما لم تكن هناك وقفة جادة فإن المستقبل لا يبشر بخير.
فاصلة:
«كن كما أنت، وهذه هي الخطوة الأولى لتصبح أفضل مما أنت».
جوليوس شارلز هير.
ahmad.alfarraj@hotmail.comتويتر @alfarraj2