من لا يستطيع أن يسمع قرع طبول الحروب الطائفية بين السنّة والشيعة في منطقتنا، فهو مصاب بالصّمم؛ ومع ذلك مازال كثيرون ينكرونها، ويؤكدون أنّ السنّة والشيعة متفاهمون ومتحابون، وهم على وفاق تام، وليس ثمة ما يدعو إلى القلق؛ بينما الواقع على الأرض خلاف ذلك تماماً؛ فالممارسات القميئة وغير الأخلاقية على كافة المستويات التي مارسها نمر النمر ومن لف لفيفه في بلادنا وإذكاء لنار الطائفية، تأتي استجابة لأوامر محض إيرانية. ما يجري في سوريا هو في شكل من أشكاله صراع سنّي شيعي، يصبُّ نظام الأسد على نيرانه الزيت كي يشتعل أكثر وينتشر. صراع الحوثيين مع بقية أهل اليمن ومذاهبها هو صراع مذهبي؛ وكذلك الأمر بين السنّة والشيعة في العراق، فلا يكاد يمر يومٌ دون أن نسمع أو نشاهد أو نقرأ عن نتائجه الدموية. البحرين أيضاً ما يجري فيها صراع مذهبي محض وليس سياسياً أو حقوقياً، يُؤجِّجه (مُعممون) ينتمون عقدياً إلى صفويي إيران. وكذلك الوضع المشحون والمتأزّم في لبنان، وبالذات في مدينة طرابلس، حيث يكتظ جبل محسن بالعلويين وفي الجوار منه تعيش الطائفة السنّية ، ومجموعة من هؤلاء سلفيون جهاديون، يعتنقون الفكر القاعدي الجهادي، إضافة إلى أنّ الحكومة اللبنانية الحالية هي حكومة (حزب الله) بامتياز، تُدار ويتم توجيهها من طهران.
إيران تحديداً هي المستفيد الأول من إذكاء الطائفية في المنطقة؛ فسياستها الخارجية تتكئ على مرتكزين رئيسيين : الأول إذكاء الطائفية، وإشعال التطاحن الطائفي بين شعوب المنطقة، لتكون إيران هي الحضن الذي يلجأ إليه شيعة المنطقة لحمايتهم من الاضطهاد الطائفي السنّي. والمتكأ الثاني استثمار القضية الفلسطينية، وإظهار العداء لإسرائيل، و (مقاومتها)، لتكون هذه القضية بمثابة الجسر الذي يمر من خلاله ساستها لتحقيق طموحاتها التوسعية التاريخية في المنطقة .. هذه الحقيقة يجب أن تكون ماثلة وبوضوح أمامنا، خاصة ونحن نرى حمامات الدماء الذي خلفها التطاحن الطائفي بين الشيعة والسنّة في العراق طوال العقد الماضي، وما نراه اليوم من تطاحن دموي فظيع تشهده الساحة السورية يشيب من هوله الولدان كما يقولون .. لذلك يجب أن نقف بكلِّ قوة وحسم وعزم، أمام بعض الممارسات غير المسؤولة والساذجة التي يمارسها بعض الوعّاظ في بلادنا ذات المنحى الطائفي تجاه الشيعة، والتي لا يمكن إلاّ أن تجر البلاد حتماً إلى وضع مشابه لما يحدث الآن في سوريا وكذلك في العراق.
القضية - أيُّها السادة - في منتهى الخطورة، ولا تقبل التساهل؛ فإيران تعمل جاهدة على صبِّ الزيت على نيران التطاحن الطائفي، وإيقاد الفتن بين فئات مجتمعنا، ومثل هؤلاء الوعّاظ السذّج بممارساتهم ومقولاتهم الطائفية القميئة يُحققون لإيران (بُغيتها) على طبق من ذهب، فيمهّدون لها الطريق لتصل إلى أهدافها بحجج وإنْ بدت عند البعض أنها مؤصلة مذهبياً، إلاّ أنّ (مآلاتها) في النهاية ستحوّل مجتمعاتنا إلى وضع مشابه لما يجري الآن في العراق وسوريا.
ولأنّ القضية خطرة، وبدت تتفاقم في المدة الأخيرة بوضوح، فليس إلاّ آلية الأنظمة والقوانين للجم مثل هؤلاء الوعّاظ والانتهازيين من الطرفين، سنّة وشيعة، ومنعهم من جر البلاد إلى أتون الصراعات الطائفية الخطيرة.
تقول المادة الثانية عشرة من (النظام الأساسي للحكم)، وهي بمثابة قاعدة (دستورية) آمرة تعنى بالحفاظ على مقوّمات المجتمع السعودي ولحمته ما نصّه : (تعزيز الوحدة الوطنية واجب، وتمنع الدولة كل ما يؤدي للفرقة والفتنة والانقسام). وعليه فإننا وبشكل عاجل في أمسّ الحاجة لأن يتم إصدار نظام واضح وصريح استناداً على هذه المادة (لكبح جماح الطائفيين)، بحيث يُحدد بوضوح عقوبات (رادعة) على من يقترف مثل هذه التصرفات والممارسات غير المسؤولة، خاصة وأنّ هناك من عشاق النجومية من (الوعّاظ) من لا تهمهم أوطانهم بقدر ما يهمهم أن يلامسوا عواطف البسطاء والسذّج فيستثيرونها طلباً للشهرة وازدياد الأتباع، ضاربين بأمن مجتمعنا ووحدته ولحمته عرض الحائط.
القضية لا تقبل التأجيل، بل وحسب ما تنقله شاشات الفضائيات عما يجري حولنا، تتقدم على أية أولوية أخرى؛ فهل يرى نظامٌ كهذا النور؟
إلى اللقاء.