قد يكون ذلك! فلا تجد لوحة معلقة على جدار نادي سعودي إلا وقد كُتب عليها ثلاث عبارات تعتبر من دستور رعاية الشباب ومن ضمنها (رياضي- ثقافي) وبما أنهم يعلمون أنّ الشباب والفراغ والجِدَة مفسدة أيّ مفسدة فكان لتأسيس الأندية في المملكة حدث مهم لجيل الشباب المفعم بالحيوية والنشاط ومستقبل الغد المشرق..
فهم المعنيون بذلك ولم يكن العنصر الرياضي منفرداً بل كان الشريك الرئيس يسير جنباً إلى جنب وهو العنصر الثقافي فكانا صنوان لا يفترقان في مشاريع الأندية وبرامجها وقد قالوا:( الجسم السليم في العقل السليم) فلا يكون عقلاً سليماً ذا نباهة ورجاحة وخلق وتفكير إن لم يكن يحمله جسم سليم معافى من كل داء، فربطوا ثقافة العقل بصحة ورياضة الجسم والعكس صحيح فلا يكون جسماً معافاً صحيحاً خالياً من كل علة يحمل رأساً وعقلاً خاوياً إلا أن يكون مثل البغال - أعز الله الجميع - وهذا ماكرّم الله سبحانه به بني آدم عن غيره من سائر المخلوقات.
فالمسئولية الثقافية حمل على عاتق كل فرد مسئول في أروقة كل نادي، ولقد كانت في السابق أفضل مما هي عليه الآن من حيث تعدد الأنشطة ونوعيتها فكانت المسابقات والمسرحيات والمعارض التشكيلية والمحاضرات بشتى أنواعها وإن كانت بمجهودات متواضعة وبعفوية متأنقة إلا أنها كانت تجزي كثيراً، فكان الرياضيون وهم هواة يتشوقون للحضور وهم شريحة معنية بما يقدم من أنشطة وبرامج، ثم إنها توارت شيئاً فشيئاً حتى بقي مسمى ثقافي مطبوعاً على الورق وملصقاً على اللوحة فاستحالت أثراً بعد عين.
إذاً مادور الثقافة في حياة اللاعب أو الرياضي؟
ربما لا يكون المثقف رياضيا وقد لا يسعفه وقته لذلك، ولكن يجب أن يكون الرياضي ملما بثقافة تسعفه في أحلك الظروف، إن الأدوار التي تقوم بها الأندية في تثقيف اللاعب سلبية، فليس هناك برامج وخطط تعني بتطوير اللاعب أو الرياضي ثقافياً فأضحى اقتصارهم على المادة دون النظر إلى كيفية الاستثمار الصحيح عن طريق استمرارية اللاعب صحياً وخلقياً فإنما يستمر عطاؤه عندما يحافظ على هاتين الخصلتين، وإننا نرى التعصب الأحمق والمحتقن وما يحمل في طياته من سباب وشتم ثم عراك لا ينتهي حتى يعدي من يحمل لواء التشجيع ومن يقف بجانبه في المدرجات ويتجاوز هذا من يكون خلف التلفاز حتى وصل الحال به أن يفرّق بين المرء وزوجه وكل هذا من عدم الوعي بأهمية الثقافة وانعكاسها على سلوكيات الفرد، لذلك كان لزاماً على القائمين والأعضاء في الأندية أن يكون هناك دور فاعل ونموذجي يمارس للارتقاء بالرياضيين فيجتزأ من الوقت أنصاف الساعات لتثقيف نفسه ولو كان إجبارياً لأنه القدوة التي يراها وينتظرها مشاهدوا المدرجات ومن خلف التلفاز وخصوصاً من هم في سن مبكرة، فإن الاستمتاع بالقراءة وتراجم وسير القدوة الحسنة والتنزه بين حدائق المعارف ومحاكاة أصحاب الخلق والعقول المتميزة، يعطي المرء تعليماً سلوكياً لاإرادياً في الاقتداء والتطبيق وهو أكثر فاعلية من التوجيه، فإن الرياضي لم يقتصر دوره في الملعب وإنما تعدى ذلك إلى البرامج المتلفزة كالمقابلات والحوارات المباشرة والمؤتمرات الصحفية ناهيك عما يحدث داخل المستطيل الأخضر من مشاحنات وأخطاء تتطلب كثير من الصبر والروّية وحسن الخلق وأيضاً ما ينعكس على حياته الأسرية وانضباطيته الفسيولوجية والعملية، فالدربة والتعويد على اكتساب مهارة القراءة والاستفادة منها يخلق جيلاً يتسابق على المثل العليا والمعارف، ألم يقل عمر بن الخطاب رضي الله عنه (علموا أولادكم لامية العرب فإنها تعلم على مكارم الأخلاق) ؟ أرأيت كيف التطبيق والممارسة تكون عن طريق القراءة والتعلم؟. وإنّ أبا ذؤيب الهذلي يقول:
والنفس راغبةٌ إذا رغبّتها
وإذا ترد إلي قليل تقنع
فإن رغّبها في العلم والقراءة والإطلاع رغِبَتْ كما شاء في حسن الخلق والمعاملة الطيبة والتدبير فإن لم ينفع ذلك ولم يكن له أثر فلن نبكي عليه دنيا ولا دين.