|
في البداية رمدان مبارك، أو آسف رمضان مبارك على الأصح، ما زلت أحاول جاهدا نطق حرف الـ»ض» وأرجو أن أوفق في ذلك، أكتب لكم هذه السطور ويدفعني أمل كبير أن أنجح في اطلاعكم على كيف يعيش المسلمون في أوربا روحانية شهر رمضان المبارك، ومنتقيا مسلمي بولندا كعينة للحديث عنها، ولكن هل تعرفون أي شيء عن بولندا نفسها؟ في الواقع هي دولة تقع في وسط قارة أوروبا محتلة مكانها في الخريطة بين ألمانيا وروسيا، هي دولة ذات تاريخ صعب ومعقد ولكنها كذلك جزيرة خضراء جميلة مليئة بالأخشاب، هناك العديد من الأنهار والبحيرات وفي فصلي الخريف والصيف من الصعب ألا تسمع زقزقة العصافير حتى في المدينة، يقدر عدد السكان في جمهورية بولندا بأربعين مليون نسمة ومن هؤلاء الرجال والنساء يوجد من أنعم الله عليه باعتناق الإسلام وبعض المسلمين الذين يعيشون في بولندا خاصة أولئك الذين ينحدرون من بلدان غير إسلامية ساهموا في نشر الصورة الصحيحة للدين الإسلامي العظيم، وأعرف شخصيا العديد منهم وطالما رددوا أنهم هنا يشعرون بأهمية هذا الدين وترى مدى شكرهم وامتنانهم لله - عز وجل - بأن أسبغ عليهم هدايتهم للطريق الحق مثلهم مثل العديد من المسلمين على كوكب الأرض الذين يحمدونه سبحانه وتعالى على هذه النعمة التي جعل أحد أركان دينها صيام شهر رمضان، وفي بولندا بحلول رمضان تجد في اللقاءات والحفلات التي ينظمها المسلمون هناك طعما ومذاقا خاصا للصفاء والحق، على الرغم من أن الروتين والنظام العام لا يتغير كحال الدول الإسلامية فهناك تتغير المواعيد وتجدول من جديد لاستقبال الشهر مراعاة لأحوال الصائمين، ولكن هنا يبقى النظام على حاله ولا أبالغ إن قلت إن لا أحد يعرف شيئا عن رمضان أو حتى يشعر به أو حتى يتحدث عنه، نذهب إلى العمل كالعادة في الخارج لا تغيير يطرأ لكن الشخص يستطيع وبسهولة أن يجد الكثير من الاختلافات في قلوب المؤمنين، للغالبية في بولندا رمضان ليس ذا توقيت خاص لكون أكثر من 90% من الشعب من معتنقي الدين المسيحي ولذلك يوجد لديهم طقوس الصيام الخاصة بهم، (لكم دينكم ولي دين) هناك بلدات في بولندا كبيرة إلى حد ما ومئات الألوف من السكان حيث لا تجد مسجدا بالمعنى الحقيقي، وفي بعض تلك المدن لعلك تجد العشرات من النساء المسلمات.
تخيل كم هو رائع وحميم ذلك اللقاء الذي يجمعنا بأولئك المسلمين عندما يحل المساء ويجتمعون في المسجد للصلاة والإفطار عندها أخيرا يحق لك أن تتحدث مع هذه الفئة القليلة من الناس الذين ينتمون لنفس المدينة والدولة والذين بصدق قادرون على فهمك وتقديرك، هذه هي الأوقات التي تكون فيها كبير الشكر والامتنان لدخولك الإسلام ولاتباعك درب النور والخير ممتنا للعينين اللتين ترى بهما وللقلب الذي ليس قاسيا كبعض الأحجار وللعقل الذي عمل - ولله الحمد - بالطريقة الصحيحة، ولذلك فربما انه من المفارقات أحيانا أن تعيش في بلد غير إسلامي حيث تستطيع وبسهولة الشعور بروحانية رمضان وليس كونه تقليدا أو عادة جميلة للتسوق ولقاءات العائلة والأقارب وما شابهها، ويمكن كذلك أن يكون رمضان وبسهولة ليس ما تراه الأبصار وحسب بل وما تشعر به القلوب، وبتعبير آخر فإن هذا الشهر المبارك يعد مناسبة للقاء مباشر مع الخالق سبحانه وتعالى.
البروفيسور توماش ستيفانيك - مسؤول الدراسات العربية والإسلامية بجامعة فرواتسوف - بولندا - والمشرف على كرسي الدراسات الإسلامية بالجامعة