لقد عرف الإنسان فضيلة الوفاء من أقدم عصوره وأدرك عميق أثر ذلك في حياته فصار الصدق والوفاء بالوعد من مكارم الأخلاق وأحلها الإنسان مكاناً رفيعاً بين الفضائل وأضفت تلك الصفة على صاحبها ضروباً من الاحترام والمقام المحمود، ولا غرو فإن الوفاء بالوعد والاهتمام به عنوان على التحلي بالأخلاقيات الكريمة. إن قصص الوفاء في تراثنا الإسلامي زاخرة بالمقاصد السامية وفيها الممتع والشيق وليس أشد على المرء من سوء كإخلاف الوعد وعدم الوفاء به ولقد كانت العرب تضرب أروع الأمثال في ذلك فقد ذكر أحدهم عامر بن الطفيل فقال: كان الله وإذا وعد الخير وفى، وإذا أوعد بالشر أخلف وعفا ولقد أنشد عمرو بن العلاء وهو من أعلم الناس بالأدب والشعر وله أقوال مأثورة ومن قوله:
وإني إن أوعدعه أو وعدته
ليكذب إيعادي ويصدق موعدي
وقيل في الأمثال.. وعد الكريم صدق ونقد ووعد اللئيم تسويف.
كما ضربت العرب المثل في الخلف بالوعد بعرقوب وهو رجل من العماليق كانوا بديار الشام في عهد موسى عليه السلام ولقد أتاه أخٌ له فسأله شيئاً فقال له عرقوب: إذا أطلع النخل فلما أطلع أتاه فقال: إذا صار تمراً فلما صار تمراً جذه من الليل ولم يعط أخاه شيئاً فقيل:
وعدت وكان الخلف منك سجية
مواعيد عرقوب أخاه.. بيثرب
وروي عن كعب بن زهير قوله:
كانت مواعيد عرقوب لها مثلاً
وما مواعيدها إلا الأباطيل
وما أكثر ما يزخر به التراث حول هذا الجانب والقصص حول هذا النوع.. وما زلنا نشاهد ونرى في حياتنا اليومية الكثيرين ممن لا يهتمون بهذا الأمر ولا يكترثون للمواعيد ولا يحصرون على الالتزام بها ولا يعرفون للاعتذار سبيلاً فقد يضرب لك أحدهم وعداً وتظل في انتظاره ساعات فلا يصدق في وعده وبخاصة أصحاب المهن والحرف فهم لا يهتمون بالوعد أو يحرصون على الوفاء به، وصار إخلاف الموعد أمراً سهلاً، وتلك صفة ذميمة وظاهرة مؤسفة وداء مقيت فلنحرص على الوفاء بالوعد والالتزام به ولنتواص على ذلك ولنرب صغارنا عليه ولنكن أوفياء فيما نعد وصادقين فيما نقول.
وعلى المربين أن يربوا في نفوس الناشئة تلك المعاني والمثل الكريمة وبث روح الصدق والبعد بهم عن كل الدنيا وفساد الضمائر فما تزرعه في الطفولة تجني ثماره في الرجولة فكل مولود يولد على الفطرة، ولقد قيل:
إن الطفولة صفحة بيضاء
وبراءة ومحبة وصفاء
أرض بما أسقيتها قد أثمرت
ولكل بذر غرسه المعطاء
ولقد قيل إنك لا تجني من الشوك العنب فكلما كان الغرس طيباً وصالحاً وسليماً فإنه يُجنى منه الثمار الطيبة.
وبعد فأي مجتمع من المجتمعات لا يستقيم أمره ما لم يكن قائماً على أسس متينة من القيم الإنسانية لتكون هي بدورها سياجاً يحمي هذه القيم ويصونها فتلك هي السبيل الأمثل والوسيلة الفاعلة للنمو والتطور الحضاري.
عضو جمعية التاريخ بجامعات دول مجلس التعاون
باحث في أدب الرحلات