في الصحيحين عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن رجلاً من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين آية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً فقال: أي آية؟ قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} (3) سورة المائدة. فقال عمر: إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه والمكان الذي نزلت فيه، نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم بعرفة يوم جمعة.
الوقفة الأولى: العيد موسم:
العيد هو موسم الفرح والسرور وأفراح المؤمنين وسرورهم في الدنيا إنما هو بمولاهم إذا فازوا بإكمال طاعته وحازوا ثواب أعمالهم بوثوقهم بوعده لهم عليها بفضله ومغفرته، كما قال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} (58) سورة يونس. قال بعض العارفين: ما فرح أحد بغير الله إلا بغفلته عن الله.
الوقفة الثانية: أعياد المؤمنين في الدنيا:
لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كان لأهلها يومان يلعبان فيهما، فقال: إن الله قد أبدلكم يومين خيراً منهما يوم الفطر والأضحى. فأبدل الله هذه الأمة بيومي اللعب واللهو يومي الذكر والشكر والمغفرة والعفو ففي الدنيا للمؤمنين ثلاثة أعياد: عيد يتكرر كل أسبوع وعيدان يأتيان في كل عام مرة من غير تكرر في السنة.
الوقفة الثالثة: الجمعة عيد الأسبوع:
إن العيد المتكرر هو يوم الجمعة، وهو عيد الأسبوع، وهو مترتب على إكمال الصلوات المكتوبات فإن الله عزَّ وجلَّ فرض على المؤمنين في كل يوم وليلة خمس صلوات. وهو اليوم الذي كمل فيه الخلق، وفيه خلق آدم وأدخل الجنة وأخرج منها. فالجمعة من الاجتماع على سماع الذكر والموعظة وصلاة الجمعة، وجعل ذلك لهم عيداً، ولهذا نُهي عن إفراده بالصيام، وفي شهود الجمعة شبه من الحج.
يقول ابن الجوزي رحمه الله وابن رجب الحنبلي رحمه الله: والتبكير إلى الجمعة يقوم مقام الهدي على قدر السبق، فأولهم كالمهدي بدنة ثم بقرة ثم كبشاً ثم دجاجة ثم بيضة، وشهود الجمعة يوجب تكفير الذنوب إلى الجمعة الأخرى إذا سلم ما بين الجمعتين من الكبائر، كما أن الحج المبرور يكفر ذنوب تلك السنة إلى الحجة الأخرى.
الوقفة الرابعة: عيد الفطر:
والعيدان اللذان لا يتكرران في كل عام وإنما يأتي كل واحد منهما في العام مرة واحدة، فأحدهما عيد الفطر من صوم رمضان وهو مترتب على إكمالهم صيام رمضان وهو الركن الرابع من أركان الإسلام ومبانيه، فإذا استكمل المسلمون صيام شهرهم المفروض عليهم واستوجبوا من الله المغفرة والعتق من النار فإن صيامه يوجب مغفرة ما تقدم من الذنوب وآخره عتق من النار يعتق فيه من النار من استحقها بذنوبه، فشرع الله تعالى له عقب إكمالهم لصيامهم عيداً يجتمعون فيه على شكر الله وذكره وتكبيره على ما هداهم له، وشرع لهم في ذلك العيد الصلاة والصدقة وهو يوم الجوائز يستوفي الصائمون فيه أجر صيامهم ويرجعون من عيدهم بالمغفرة.
الوقفة الخامسة: لمَنْ العيد؟
هذه أعياد المسلمين في الدنيا وكلها عند إكمال طاعة مولاهم الملك الوهاب وحيازتهم لما وعدهم من الأجر والثواب.
ولذا، فليس العيد لمن لبس الجديد إنما العيد لمن طاعاته تزيد، ليس العيد لمن تجمل باللباس والركوب إنما العيد لمن غفرت له الذنوب، في ليلة العيد تفرق خِلع العتق والمغفرة على العبيد، فمن ناله منها شيء فله عيد، وإلا فهو مطرود بعيد.
الوقفة السادسة: أعياد المؤمنين في الجنة:
أعياد المؤمنين في الجنة هي أيام زيارتهم لربهم عزَّ وجلَّ، فيزورونه ويكرمهم غاية الكرامة ويتجلى لهم وينظرون إليه فما أعطاهم شيئاً هو أحب إليهم من ذلك، وهو الزيادة التي قال الله تعالى فيها {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} (26) سورة يونس.
ليس للمحب عيد سوى قرب محبوبه، قال أحدهم:
إن يومًا جامعاً شملي بهم
ذاك عيدُ ليس لي عيدٌ سواه
الوقفة السابعة: العيد في الدنيا والجنة:
كل يوم كان للمسلمين في الدنيا فإنه عيد لهم في الجنة، يجتمعون فيه على زيارة ربهم ويتجلى لهم فيه، ويوم الجمعة يُدعى في الجنة يوم المزيد، ويوم الفطر والأضحى يجتمع أهل الجنة فيهما للزيارة. وقد قيل: إن كل يوم يقطعه المؤمن في طاعة مولاه وذكره وشكره فهو له عيد.
- عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية