حتى هذه اللحظة لا توجد لدينا جهات معتمدة رسمياً تقدم لنا بحوثاً موثقة لاستطلاعات الرأي العام في مجتمعنا، وتبقى هذه القضية معلقة وموكلة إلى بعض الاجتهادات التي من الممكن أن تتم من خلال بعض مؤسسات البحوث والاستشارات الموجودة في المنطقة.
والتعرف على (الرأي العام) قضية مهمة إذ تمثل معرفة الآراء والاعتقادات والاتجاهات لمجموعة ما نحو ظاهرة أو مشكلة يثار الجدل بشأنها، وللرأي العام أهمية في المجتمع فهو يشكل سلطة غير معلنة، وتأخذ كثير من الحكومات والقيادات نتائج استطلاع الرأي في الحسبان وتأخذها بعين الاعتبار.
وفي أحدث دراسة لمؤشر ثقة المستهلك في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أجراها بيت. كوم مع مؤسسة يوغوف للأبحاث والاستشارات ونشرت في الصحف، تشير إلى الكثير من النتائج التي يجب أن تؤخذ بالحسبان ويتم التأمل فيها كثيراً، فهناك 28% فقط يصرحون بأن أوضاعهم المالية أفضل من العام الفائت، مقارنة بنسبة 65% يشيرون إلى أن أوضاعهم لا تزال كما هي أو حتى تدنى مستواها، كما أن هناك 33% من المشاركين تعتبر أن الاقتصادات الوطنية غدت أكثر سوءاً من العام الماضي.
أما بالنسبة لفرص العمل والتوظيف فيصرح 49% أن هناك القليل من فرص العمل المتاحة ويقول ستة من أصل سبعة أن شركاتهم لا تزال تضم نفس عدد الموظفين أو حتى عدد أقل مقارنة بالفترة ذاتها قبل عام، كما يعتقد الثلثان أن رواتبهم لم تواكب ارتفاع تكاليف المعيشة، ومع ذلك فهناك تفائل يسود المشاركين في الدراسة، وقد تصدر الأمن الوظيفي أول أسباب تدني مستوى النمو الوظيفي وذلك بنسبة 67% في حين أوضح 38% أنه سيكون هناك ارتفاع في تكاليف المعيشة.
ويعد الباحث الأمريكي (هربرت) في كتابه (المتلاعبون بالعقول) أن استطلاع الرأي (واحداً من الاختراعات الأكثر حداثة في المجتمع الأمريكي، شأنه في ذلك شأن الاكتشافات التكنولوجية التي ابتكرها الإنسان في القرن الماضي، مثل: أجهزة الكمبيوتر، ومذياع الترانزستور، أو الطائرة الأسرع من الصوت، ويقول: “هنالك أنواع أخرى من الاختراعات، ومن العناصر ذات الأهمية المتزايدة في آلية توجيه العقول ذلك الاختراع الاجتماعي الحديث نسبياً والذي يسمى: استطلاع الرأي).. ويضيف: (إن استطلاع الرأي، ومهما جرت صياغته في تعبيرات علمية، فهو في المقام الأول أداة تخدم أهدافاً سياسية”. ولذا يرى بأن استطلاع الآراء يمكن أن يحذر عناصر السلطة من إتباع أساليب محددة، وقد يقترح أن تتحرك من خلال مسارات أكثر التواءً وصولاً إلى نفس الغايات، ويمثل استطلاع الرأي في رأيه، وسيلة للتحقق من عادات وأولويات الأفراد والجماعات التي توفر.
في اعتقادي أن دراسات استطلاع الرأي العام مهمة لكلا الطرفين سواء كان صانع القرار أو أفراد المجتمع الذين يشكلون الرأي العام، بحيث يتعرف كل منهما على الآخر، وتكون هذه الدراسات بمثابة قناة تواصل ومشاركة وتفاعل إيجابي من قبل الأفراد مع صناع القرار، مع ضرورة أن تقوم تلك الدراسات من خلال مكاتب عالمية موثوقة ووفقاً للمواصفات العلمية المتعارف عليها بهذا الشأن واضعة في حسبانها البعد عن أي انحياز أو تعاطف لأي فكر أو اتجاه وأن تكون هذه الدراسات ميدانية وبشكل دوري وعلى مختلف القطاعات الخدمية حتى تساهم نتائج هذه الدراسات في دعم متخذي القرار وتوجيههم نحو اتخاذ القرارات الصائبة التي تتناغم مع متطلبات أفراد المجتمع، وحتى يعود النفع على المجتمع كله من خلال معرفة رأي الجماهير في مدى جودة الخدمات المقدمة.