لبنان عش عصفور صغير وأنيق، منسوج من قش ناعم، وأعواد شجر رقيقة، يملك قابلية الحريق، وقابلية الانكسار، وقابلية الإذابة، لبنان يمثّل رقصة (اليوتوبيا) اليونانية، لهذه الرقصة خاصية الكمال، وخاصية التناغم، وخاصية الرؤية، لبنان مثل رقصة (الدبكة) العربية،
لهذه الرقصة خاصية العنف أحيانا، وخاصية التحدي، وخاصية الأداء، لبنان لديه صدمة مثل صدمة فتاة مراهقة في زمن التجلي لحبيب عاق سافر في دروب العتمة دون أن ينبس بكلمة، لبنان محشور في خانة التناقض، لا هو ميت في خانة الأموات، ولا هو حي في خانة الأحياء، ليس لديه نهاية للبس الأبيض، وليس لديه نهاية للبس الحداد، له فنون ومفاتن الشرق، له حدس ووعي، وله إشكالية التجرد والانتماء، له فكر تصويري ودلالة الرمز، له رفض الحوار وعنف التخاطب، له استدارات وجدانية جميلة، له ميول النوايا المتناقضة، له فلسفة الحياة وامتداد الفضاء وحرية التحليق، وله أصولية الفهم وأصولية الإدراك وأصولية السرد، لبنان غارق في أتون وعيه الإنساني، وأتون وعيه الحضاري، وأتون وعيه المذهبي، وأتون وعيه الطائفي، وأتون وعيه الاجتماعي، وأتون وعيه البيئي، وأتون وعيه الفكري، وأتون وعيه الفني، لبنان لم يتجاوز حالة العنف بعد، يمشي على رمال متحركة، بعكازين من أعواد قصب، يتعامل مع ممكنات الخيال الحدسي، له سمو ونرجسية الأفكار والتطلعات، لكنه صوفي الانهماك في لحظات خاشعة لحالات منهكة، له تقارب لوني زاه، لكنه يملك تقاطعات بيانية باهتة، يميل نحو الاستطالة والتحليق نحو الأفق، لكنه لا يملك القدرة على الوثب والتطلع والهيبة والشموخ، يملك قدرة التلويح، لكنه لا يملك القدرة على البقاء في ساحة العرض، له رغبة المقاومة، ولديه رفض المقاومة، إنني أخاف على لبنان، وأملك إحساساً بالخوف والحرص على ممتلكات هذا العش الجميل الأنيق المتفرد، بكل أغراض هذا العش الفكرية والإنسانية والحضارية والتاريخية، إنني لا أريد للبنان، أن يكون رصاصاً طائشا، أو قذائف مميتة، أو قنابل حارقة، أو هدماً تراكمياً، أو قتلاً مقيتاً، أو عنتريات فاشلة، أو نظريات (سادية)، أو ادعاءً لبطولات، زائفة إنني أريد للبنان، أن يكون سحراً متفرّداً، وشمساً متفرّدة، وقمراً متفرّداً، وعصافير متفرّدة، وإنسانا متفرّداً، ووجوداً متفرّداً، لا أن يكون لبنانا متفردا بالموت والبشاعة والعتمة والظلام المقيت.
ramadanalanezi@hotmail.com