تقول واشنطن إن مصر تعمل بجدية لهزيمة الإرهاب، وتشتكي إسرائيل من عدم تنسيق مصر معها بشأن دخول أسلحة ثقيلة إلى سيناء، بما لا يتوافق واتفاقية كامب ديفيد، فهل تباينت المواقف بين واشنطن وتل أبيب،
وصار لكل منهما هاجس يختلف عن الآخر؟ أم أن الأمر لا يعدو عن كونه يسبح في فضاء المناورة.
من جانب الكيان الصهيوني يمكن القول إن نتنياهو ربما أراد لفت انتباه مصر مرسي، رغبة في اختبار النوايا أو على الأقل الحصول على ما يمكن أن يساعده في التباهي أمام مجلس وزرائه بمهارته السياسية في تحقيق أول اتصال بالنظام الجديد في مصر، هذا ممكن من حيث إن القوات المصرية التي دخلت إلى سيناء لا زالت ضمن الحدود التي لا تشكل خطرا محتملا، لكن من غير المعلوم حتى الآن المدى الزمني الذي ستبقى فيه هذه القوات، فيصبح هناك احتمال آخر من هذه التحذيرات التي تطلقها إسرائيل بين فترة وأخرى، وهو محاولة معرفة النوايا المصرية فيما بعد الانتهاء من عملية النسر، وهل ستبقى هذه القوات وتتمركز في سيناء خلاف لما اتفق عليه ضمنيا، والواقع أن مصر الجديدة رفضت حتى الآن الرد أو حتى إبداء الاهتمام لمحاولات نتنياهو المستميتة للاتصال بالرئيس محمد مرسي أو حتى رئيس حكومته، وملفت أيضا عدم تدخل واشنطن كعادتها في خدمة إسرائيل، بل أن مفاوضات مصر مع الصندوق الدولي بشأن القرض المالي والمقدر بحوالي ثلاثة مليارات دولار تسير حتى الآن على ما يرام، إلى درجة أن مصر راغبة في زيادة القرض إلى خمسة مليارات دولار، وكل هذا يتم دون تدخل من الولايات المتحدة الأمريكية لأي موقف سياسي ثمنا لهذه المساعدات، ويمكن أن يقال إن حرص واشنطن على علاقاتها مع مصر استدعتها لتجاهل إسرائيل هذه المرة، ويمكن أن نضيف أن إسرائيل ذاتها تعرف ذلك وتعرف مدى أهمية بقاء مصر على صداقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، لهذا نرى تباين في المواقف ولا نرى عتاب أو غضب كما هي عادة الكيان الصهيوني مع واشنطن أو الطفل المدلل مع والدته.
لكن ألا يصح القول مثلا وإن بشكل افتراضي، والفرضيات في الغالب مفيدة ومساعدة في التحليل والاستقراء، أليس هذا التباين حقيقي؟ ألا يمكن تفهمه باعتبار أن الولايات المتحدة الأمريكية سئمت الانحياز المؤذي لجانب إسرائيل حتى أصبحت منبوذة ومكروهة من قبل الشعوب العربية والإسلامية، بصرف النظر عن الأنظمة التي أدركت منذ زمن أنه من العبث مناوشة إسرائيل طالما أنها محمية بالقوة الأمريكية والغربية، وبالتالي فلا مناص لها من مهادنة إسرائيل أو حتى الوصول معها إلى سلام مهما كانت تكاليفه للتفرغ للبناء والإعداد؟ الأسئلة المشروعة كثيرة، لكنها تبقى أسئلة إن لم تستند على منطق تحليلي ناهيك عن المعلومة فستبقى أسئلة لا جدوى من ورائها، لكن المعروف والمعلوم أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تبني سياساتها على فراغ أو احتمالات ضعيفة أو حتى المناورة بمواقف على شكل التأييد لمصر في حربها ضد الإرهاب من خلال الإخلال باتفاقيات كامب ديفيد وإضعاف الموقف الإسرائيلي، عندما يتماس الموقف مع إسرائيل تصبح السياسة الأمريكية في منتهى الحساسية فأين غابت هذه الحساسية هذه المرة؟ الرئيس المصري الجديد أعلن أنه يحترم الاتفاقيات، لكنه أبدا لم يعلن ولو بشكل غير مباشر حتى عن موقفه تجاه إسرائيل فيما عدا مواقفه المعروفة قبل توليه الرئاسة، ويمتد ذلك إلى ما قبل الثورة المصرية وحين كان نائبا في مجلس الشعب عن جماعة الإخوان، وكلها مواقف لا يوجد بها ما يساعد إسرائيل أو حتى أمريكا على التفاؤل، إذن هل عميت الأبصار؟ لا مجال للمناورة اليوم، فقد أصبحت مصر تحت حكم وطني مختلف ولم يعد للنظام المخلوع ولا فلوله أي بارقة أمل حتى في التشويش أو التعطيل، بل هاهو الرئيس المصري يزور بكين في أول ظهور عالمي له وليس واشنطن، بل هو في طهران أيضا وليس تل أبيب، علينا إذن أن نفهم أن الصورة في المنطقة قد تغيرت، وإذا علمنا ذلك علينا أيضا أن نعلم أن واشنطن تتعامل مع الصورة الجديدة للمنطقة، والأمر كذلك، علينا أيضا أن نغير فهمنا تبعا لتغير الصورة لنفهم هذا التباين ونقيس درجته ونحدد اتجاهه، قدر الإمكان.
قلت ذات مرة في مقال نشر في أحد المواقع الإليكترونية إن فوز باراك أوباما في الانتخابات السابقة كان الهدف منه تغيير الصورة البشعة التي صنعها جورج بوش الصغير، واليوم في اعتقادي هو الأنسب للتعامل مع الصورة الجديدة، والأقدر على خلق المسافة الكافية مع إسرائيل بما يتناسب والصورة الجديدة للمنطقة، وبما يحول دون خروج النظم الثورية الجديدة عن المسار السلمي القديم، ولكن بإستراتيجية مختلفة هذه المرة تظهر الحياد الشكلي وجدية اكبر عن السابق أمريكيا وحتى إسرائيليا، إذ بدا واضح للجميع مدى القلق الذي بات يساور الكيان الصهيوني بعد أفول الكنز الاستراتيجي لها في المنطقة وقرب تغير الأحوال في سوريا بما يختلف عن المنهج السابق المتواري خلف متاريس المقاومة بالوكالة إلى سياسة وطنية إذا ما التقت بالسياسة المصرية الجديدة شكلت وضعا صعبا وعسيرا على أمريكا وإسرائيل، وليس هذا محل تفاؤل أو إحباط بقدر ما هو قراءة لأحداث ربما تُمكّن من رسم تصور لمرحلة ما بعد خارطة الطريق المسدود.
Hassan-Alyemni@hotmail.comTwitter: @HassanAlyemni