نمضي العام الدراسي كله للتأكد من تحقيق الفهم والاستيعاب والممارسة لجملة المهارات الرياضية والقرائية والعلمية التي تحفل بها المناهج الدراسية لكل مرحلة لكن ما أن يأتي الصيف ويأخذنا ضمن زوبعته إلا ونجد أن التلاميذ وبخاصة من هم في المراحل الأولية قد نسوا الكثير من المفاهيم الأساسية التي اجتهد
المعلمون في تدريسها وهو الأمر الذي أتوقع أن عدداً كبيراً من معلمينا يعانونه في صمت وهو مرور وقت طويل على الطلاب خلال الإجازة الصيفية دون أية أنشطة علمية أو معرفية وانزلاقهم التدريجي نحو ألعاب الكمبيوتر والمناسبات الاجتماعية والترفيهية مما يجعلهم تدريجياً ينسون الكثير مما تعلموه خلال العام الدراسي المنصرم وبخاصة الصغار منهم. أقول هذا ولا أعرف هل تنظيم المناهج الدراسية الذي تفرضه وزارة التربية خلال الفصل الأول يأخذ هذا الأمر على محمل الجدية فيضع له الوقت والجهد والإمكانات المناسبة التي يمكن أن تقدم دعماً إضافياً لتعلم التلاميذ يساعدهم على تعويض ما ضيعوه.
لقد وجدت العديد من الدراسات التتبعية التي أجريت على مستوى العالم أن الصيف فعلاً يؤثر سلباً في التحصيل العلمي وبخاصة للصغار. وفي مقالة لطيفة نشرتها جانيت موننيجر في مجلة أهلاً وسهلاً الصادرة من الخطوط السعودية عدد رمضان 1433 أشارت إلى أن دراسة قامت بها جامعة كولومبيا وجدت أن معلمي الابتدائي يقضون مدة قد تبلغ ثمانية أسابيع في إعادة تدريس ما نسيه الأطفال خلال العطلة الصيفية. كما وجدت الدراسات أن الأطفال وبعد العودة يحصلون على درجات أقل في اختبارات القراءة والرياضيات من تلك التي تحصلوا عليها قبل إجازة الصيف. هذا الأمر هو ما حدا بالرئيس الأمريكي أوباما إلى أن يقترح كأحد الحلول زيادة عدد أيام الدراسة من 180 يوماً وهي الحالية إلى 197 يوماً وهو العدد الذي تعتمده دول يحصل تلاميذها على أعلى مستويات التحصيل العلمي وبخاصة في المهارات الأساسية وهي العلوم والرياضيات والقراءة مثل اليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا.
ومن الواضح أننا في بلادنا نتمتع بإجازات صيفية طويلة جداً ومملة أحياناً إذا لم يوجد فيها ما يملؤها غير النوم نهاراً والسهر ليلاً أمام ألعاب الكمبيوتر مع الأصحاب أو في الاستراحات. ورغم أن هذه النشاطات هامة لنا جميعاً وضرورية وليس عليها أي غبار فنحن بشر ونحتاج إلى الترويح والترفيه وهو ما تحبه كل نفس بشرية إلا أن الإفراط فيه حتى يصبح هو السمة والسلوك الذي نطالب به دائماً هو ما يمثل معضلة عقلية وثقافية!! (ألسنا نطالب بإجازة بعد كل إجازة؟ كما أن أحلى الأخبار والواتس اب هي تلك التي تحمل لنا حتى بصيص أمل في إجازة ما؟!)
إذن ما الذي يمكن لنا أن نفعله لنقلل من الآثار السلبية لطول الإجازة الصيفية على تحصيل أبنائنا؟
تلعب المخيمات الصيفية والبرامج التي تنظمها إما الوزارات الحكومية أو المؤسسات الأهلية أو الخيرية دوراً كبيراً في تقديم الكثير من المعارف والتجارب الجديدة للأطفال لكن الأمر وخاصة لدينا هنا ليس بالأمر السهل وأولها أن معظم هذه البرامج تنتشر في الغالب في المدن الكبرى ويتم إهمال القرى والمناطق النائية رغم أن هناك أطفالاً وطلاباً يحتاجون إلى المعرفة مثل أطفال المدن. ورغم أن المخيمات الصيفية تظل أحد الخيارات الممتازة التي تساعد على تحريك عقل الطفل وجسمه إلا أن هناك أيضاً حقيقة أن الكثير مما يعرض من هذه البرامج يتطلب ميزانيات خاصة لا تستطيع الأسر المحدودة القدرة مادياً على دفعها وبخاصة مع العدد الكبير لأطفال الأسرة الواحدة مما يجعل من الصعب مالياً الصرف على ثلاثة أو أربعة أطفال للدخول في مخيم صيفي إضافة طبعاً إلى مشكلة المواصلات التي تظل سيدة المشاكل في كل موقف فمن سيأخذ الأطفال ويعيدهم في كل يوم إلى آخره من هذه التفاصيل مع ضعف ومحدودية ما يعرض من هذه البرامج مقارنة بالدول الأخرى.
إذن لا يبدو هذا الخيار ممكناً للتطبيق على شريحة كبيرة من أفراد المجتمع فماذا تستطيع الأسر نفسها أن تفعل في حدودها الداخلية؟ هل يستطيع الأبوان خلال العطلة الصيفية تحقيق بعض التنمية العلمية والثقافية لأبنائهم حتى لو لم يكونوا في صفوف الدراسة؟
من المدهش أن الإجابة هي نعم. فمجرد الحديث مع الأطفال منذ صغرهم يساعد على نموهم اللغوي كما أثبتت الكثير من الدراسات بل إن مشروع يبزا وهو البرنامج الخاص بتقييم الطلاب من دول أخرى في دراسته التي نشرت عام 2010
the OECD’s Programme for International Student Assessment (PISA)
قد وجد أن المراهقين من سن 11- إلى 18 والذين يتحدث معهم والديهم حول الشؤون السياسية والاجتماعية للعالم هم أجود في القراءة من أقرانهم الذين لم يتحدث إليهم أهاليهم.. كذلك وجدت الدراسة المذكورة والتي تمت 2010 أن الأطفال لأباء وأمهات يقرؤون (أي أن الطفل يشاهد والديه يحملان الكتاب والجريدة ويتابعان) يكون أقدر في مهاراته القرائية من الأطفال الآخرين الذين لا تمثل القراءة تقليداً في محيط عائلاتهم. كما أننا نحفل بمخزون كبير من دراسات الطفولة التي تؤكد على أن حديث الأم وقراءتها للطفل في كل ليلة ينمي مهاراته اللغوية بما لا يقل عن 15%.
ما الذي أرغب في قوله هنا؟ أننا مضطرون للتعامل مع النظام المدرسي الذي أوجد هذه الإجازات الصيفية الطويلة، كما أننا كعائلات قد لا نمتلك الموارد المالية أو اللوجستية للاستفادة من بعض البرامج الصيفية المطروحة. لكننا كأهالي وكآباء وأمهات نستطيع تحقيق بعض الاستمرارية في نمو مهارات أطفالنا المختلفة وفي إبقاء عقلهم ذكياً ومتوقداً من خلال سلوكنا المباشر معهم وبما نمنحهم من وقت وجهد نصرفه في الغالب على المناسبات الاجتماعية التي لن تنتهي حتى نموت. كن مع أطفالك وأبنائك عقلاً وجسداً ومرحاً ومحبة بقدر ما تمنحهم من رعاية في المأكل والمشرب والمال.