ط ط ط طفشنانة.. ز ز ز زهقانة, هذا ما سمعت أختي الصغيرة تردده مرات عديدة وهي تشاهد إحدى البرامج التلفزيونية, وحين بادرت وسألتها: من أين أتت بتلك الألحان الجميلة والكلمات الردئية؟ أخبرتني أنها أغنية جديدة لطفلة صغيرة بدأت مشوارها الفني قبل سنوات قليلة وبدأت تبث أغنيتها عبر وسائل الإعلام المختلفة! إنها حلا الترك.. من لا يعرفها؟؟ فقد شغلت الأطفال في العالم العربي, وتحديدا الخليجي بأغنياتها التي باتت تجد لها مكانا في ذاكرة أجهزتهم وعقولهم, وأصبح لها جمهور يمتد باتجاهات العالم العربي يشتري ألبوماتها, ويبتاع بطاقات لدخول حفلاتها ومسرحياتها, ويمنحها وقته وتركيزه ليستمع لأغنياتها وهذا أكثر ما يخيفني! فالأطفال عادة يبحثون عن قدوة ومثل أعلى, قد يكون شخصية كرتونية, أو نجم رياضي أو ربما فتاة صغيرة! ولا مانع ولا ضير في ذلك, ولكن المصيبة تكمن حين تحمل أغنياتها رسائل أخلاقية وقيمية رخيصة وغير نبيلة, كأن تقول مثلا ً في إحدى أغنياتها التي نالت نجاحا ً مدويا ً وحصلت على نسبة مشاهدة تجاوزت 11 مليون على موقع يوتيوب “ولله وناسة.. بابا نزل معاشه.. بنروح الألعاب ونصرفه كله” حيث ربطت “الوناسة” بنزول راتب الأب! لتمرر رسالة مادية بحت وهي أن السعادة مقرونة بالصرف والإنفاق, وتعزز لذلك المبدأ والهدف عبر فيديو كليب يظهر مشاهد لحلا وهي تمرر بطاقة صراف والدها في أجهزة السحب بفرحة ولذة منزوعة البراءة والطفولة.
أما في أغنيتها الأخرى ذات الألحان الجميلة والكلمات الرديئة فقالت وصرخت بأعلى صوتها “مو لازم أنام” معلنة رفضها الشديد لذلك حيث تصر “مابي مابي مابي أنام” متمردة على والدتها التي تتحايل عليها وتستجيدها النوم.
أغنيتها الأخيرة لم تكن أفضل حالا, فالنجمة الصغيرة تتمرد وتتذمر وتتأفف وتطلق صيحات غاضبة لأنها “طفشانة وزهقانة” وتدندن مع الألحان أنها ملت من البيت ومن قيام والدتها بواجباتها المنزلية وجلوس والدها في غرفته يقرأ الصحف! ففي حين تنهك الأم في القيام بأعباء المنزل, ويعود الأب متعبا ً من يوم عمل طويل, تصر كلمات الأغنية على انتقاد ذلك الفعل, واعتباره ظلما ً للطفل لعدم تهيئة أجواء مسلية له, فهي تتذمر وتمرر رسائل تقول إن ما يقومون به ملل, وليس محل تقدير بالنسبة لي.. وأستطيع أن أجزم وأراهن بأن والداها يرفضان ذلك التذمر في المنزل, ولا يقبلون بكلمة “ما أبي أنام” أو “أنا مليت من البيت” بل يستنكرونها يستاؤون منها, باعتبارها غير منصفة لمحاولاتهم توفير كل احتياجاتهم, وتحقيق كل أمنياتهم, لكنهم بدو وكأنهم يقبلون أن تغنيها طفلتهم -التي لا تثمن ما تتفوه به لأنها مجرد طفلة صغيرة- للأطفال وتبث كل ذلك التذمر المقيت عبر الشاشات والإذاعات التي تحتفل بأغنياتها التي مزج فيها السم بالعسل.
البعض قد يعتقد أنها مجرد أغنية عابرة تمر مرور الكرام! لكن ما لا تعلمه تلك الطفلة والقائمين بأعمالها, أن لكلمات أغنياتها تأثير عميق وواسع على الأطفال وعقولهم الباطنة, وكثير منهم يتفاعل مع الأغنيات ويطبقها حرفيا في يومياته لإعجابه بالطفلة وجرأتها.
أتمنى من كل المسؤولين عن تبني موهبة حلا وإنتاج أعمالها وحفلاتها, التحول لاختيار أغنيات ذات معنى, تحمل في طياتها رسائل إيجابية وأخلاقية! لا نطالبها بأن تغني لتحرير فلسطين أو إطلاق سراح المعتقلين, بل نتمنى منها أن تحترم الآباء والأمهات وتقدر أدوارهم في الحياة, لا تتمرد عليهم, ولا تتأفف من نمط حياتهم, وتدرك مدى تأثيرها على الأطفال, وبالتالي حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها, تلك المواهب التي نحتاجها وندعمها ونصفق لها.
نبض الضمير:
“الأطفال صفحات بيضاء لا يُكتب فيها الكثير, لكن حين يُكتب فإنه غالبا.. لا ينسى”
Twitter:@lubnaalkhamis