عينت وزارة التربية والتعليم كعادتها قبيل بدء العام الدراسي أعداداً كبيرة من المعلمين والمعلمات جلهم يعمل في مدارس أهلية، مما أفضى إلى حرج شديد وأزمة كبيرة لدى ملاك المدارس الأهلية حيث انسحب المعلمون والمعلمات من مدارسهم دون سابق إنذار، تركوا المدارس الأهلية كي يباشروا في المدارس الحكومية التي وجهوا لها، وبالمناسبة هذه المرة الثانية التي تصنع وزارة التربية والتعليم أزمة في المدارس الأهلية بسبب تعيين معلمين في توقيت خاطئ حيث لم يتبق على بدء الدراسة سوى أقل من أسبوع واحد.
ولتغطية الوظائف التي شغرت أعلنت المدارس الأهلية عن حاجتها إلى معلمين ومعلمات سعوديين في التخصصات كافة، وللأسف كانت الاستجابة ضعيفة جدا، على الرغم من أن الرواتب حسب الأمر الملكي الكريم تبلغ بحد أدنى 5600 ريال، من الردود الطريفة على الإعلان، الرد التالي: (والله ما وراكم إلا الدجة وضياع الوقت)، استوقفتني كلمة (الدجة)، ما أصلها؟ وماذا تعني؟
وقبل البحث في أصل كلمة (الدجة) ومعناها، لا بد من الاعتراف بأن هناك فجوة تتسع مع توالي الأعوام بين طالبي العمل وأصحابه، فطالب العمل يتذمر من قلة الراتب والتحفيز، ومن كثرة الأعباء وتعددها، وهم في ذلك محقون، وفي الوقت نفسه يشكو صاحب العمل من ضعف دافعية العامل وقلة إنتاجه، ومن تطلعه الدائم إلى الوظيفة الحكومية مما أضعف حماسته للعمل في القطاع الخاص والاستمرار فيه، وهذا بدوره أفضى إلى عدم ثقة كل طرف بالآخر، والتمترس خلف جملة من المسوغات التي يبرر كل منهما إعراضه عن الآخر، وتفسير موقفه السلبي منه.
أعود إلى كلمة (الدجة)، حيث تبين أن لها أكثر من معنى، فهي من الفعل (دج - يدج - دجا - فهو داج) ويبدو أن لها صلة بالطائر الأليف الذي لا تخلو منه موائد الطعام بصفة يومية، الدجاج الذي يدج عند بحثه عن الأكل.
وقد تكون (الدجة) من يدوج أي يلف ويدور ويسوع في الأسواق والطرقات، بحثا عن حاجة أو رفيق أو عنوان أو أحد.
ووردت كلمة (الدجة) في الأدب العربي للدلالة على معان كثيرة، منها الفرس الجميلة، والفتاة الكحيلة، والنسمة العليلة، والنخلة الطويلة.
ويصف الشاعر الجاهلي طويلخ بن دالج حبيبته عريجاء بنت حولان، بأنها (دجة) يقول:
ومالي أرى الدجة دامعة باكية
أهو من رفسي في بطنها وأنا نائم
ويصف فارس بني الدعيس فرسه بقوله:
ماذا أقول في دجتي وهي مكرة
نحو أعداء دعيس وهي فلول
وتقول شاعرة بني الطرخرم بعد أن فقدت زوجها:
أهيم بين القوم صارخة له
أين يا دجة القوم والهوى
حاليا يكثر تداول كلمة (دجة) للدلالة على الامتعاظ والسخط واليأس، وعلى أن الطرف الآخر لا يملك من أمره شيئا، وأنه مجرد عنوان فارغ لا يعول عليه أمل في تحقيق طموح أو غاية، وهذا ما رجح لدى المعلمين حيث تعتريهم حالة يأس من جدوى العمل في المدارس الأهلية، لكن لعل الأمر الملكي الكريم الذي وجه بأن يكون الحد الأدني لرواتب المعلمين والمعلمات في المدارس الأهلية 5600 ريال، يقلب حالة اليأس إلى حالة اطمئنان وقبول للعمل في المدارس الأهلية.