كان لافتاً ذلك الاحتفاء من قِبل الشباب السعودي بشخصية وطنية غابت عن الإعلام طويلاً، فقبل أيام، وفي ذكرى وفاة المرحوم الشيخ عبد الله الطريقي قرأنا ما يثلج الصدر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتحديداً تويتر، عن تلك الشخصية التي سهر العالم جراها واختصموا، ولكنهم اتفقوا على أنها شخصية ذات كاريزما ساحرة، وكفاءة إدارية فذة، وعبقرية يندر أن يجود الزمان بمثلها، فقد كان «الكفاح» هو شعار الطريقي، وذلك منذ أن انطلق من رمال مدينة الزلفي عام 1921، وهو في السادسة من عمره إلى الكويت، ثم إلى الهند، فمصر، وأخيراً الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تخرّج فيها وحصل على شهادة الماجستير في «هندسة الجولوجيا»، فمتى يا ترى كان ذلك؟.
حصل الطريقي على الماجستير من أمريكا في عام 1947 ميلادية أي عام 1367 هجرية!، أي بعد توحيد المملكة العربية السعودية بستة عشر عاماً فقط!، وعاد بعدها إلى دولته الفتية في رحلة عملية مضنية تسنم خلالها مسؤولية النفط كمدير عام لشؤون الزيت والمعادن، ثم وزيراً للنفط، في أشد المراحل السياسية حساسية، وكان ذلك في عهد الملك المؤسس عبد العزيز - طيب الله ثراه -، ثم الملك سعود من بعده، ودخل في صراع مع العالم كله لأجل الحفاظ على حقوق بلده من هذا الذهب الذي سيصبح لاحقاً محور التنمية الشاملة التي قفزت بالمملكة، من بلد لا يعدو أن يكون صحراء قاحلة، إلى واحدة من أهم دول العالم، وقد لاقى صلفاً كبيراً من جراء ذلك، إذ لم يكن سهلاً على شركات النفط أن تتنازل عن كثير من الحقوق التي حصلت عليها بشكل مجحف، ولكن الطريقي كان فارساً صلداً تعوَّد على خوض المعارك الكبيرة، وتجاوز الصعاب منذ نعومة أظفاره.
لقد ظل الطريقي في الظل لمدة طويلة، ولذا كانت مفاجأة مفرحة لمحبيه عندما تفاعل الشباب السعودي مع الوسم الذي خُصص لذكراه في تويتر، وبهذه المناسبة فإنني أدعو كل من يرغب بمعرفة المزيد عن هذه الشخصية الوطنية أن يقرأ سيرته الشاملة، والتي كتبها الإعلامي والباحث محمد السيف، بعنوان: «صخور النفط ورمال السياسة» عن دار جداول للنشر، فهي - حسب علمي - المؤلف الوحيد الذي قدم صورة متكاملة عن هذه الشخصية الاستثنائية، منذ ولادته في الزلفي، مروراً بمسيرته العلمية والعملية والشخصية، وحتى وفاته - يرحمه الله -، وهو كتاب شيق أشاد به كثير من النقاد، وفي الأخير، نتمنى أن تُدرس سيرته، وسيرة أولئك الرجال الذين ساهموا في بناء هذا الوطن مثل عبد الله السليمان، ومحمد الصبان، وناصر المنقور، وغيرهم في مدارس التعليم العام والجامعات، فشبابنا في أمسّ الحاجة لمعرفة المزيد عن تلك الشخصيات الوطنية المتميزة.
* فاصلة: «صفحات التاريخ هي المعيار الحقيقي لقيمة الإنسان».. وليام هازليت.
ahmad.alfarraj@hotmail.comتويتر @alfarraj2