أقول ذلك ليس تزلُّفاً ولا نفاقاً، إذ كيف بالمرء أن يتزلَّف لأُمِّه أو ينافق أخاه الأكبر، أو أن يهادن أو يساوم على شعبه الذي كان جزءاً صميمياً من أفراحه وأتراحه ومآسيه وويلاته، وتقلُّبات الظروف به، وعصف السياسات بأحلامه وآلامه وانكساراته. وكيف بالمرء أيضاً إذا كان في أغلب حياته أو (جلّها) صحفياً يدافع عن الحقيقة، وشاعراً يقف مع الحق، وكاتباً عايش لأكثر من أربعين عاماً وبشكل يومي أو شبه يومي، عن طريق الكتابة المتواصلة مع تاريخ هذا الشعب العربي وفي أعتى مراحله المظلمة؟
***
أقول فعلاً لقد قامت هذه المملكة ومنذ تأسيسها على يد مؤسِّسها الراحل العظيم عبد العزيز بن عبد الرحمن - طيَّب الله ثراه -، بالوقوف المشرِّف (الفعلي) مع الشعب العربي، مهما تغيّرت أنظمته، ومهما كانت مواقف تلك الأنظمة تجاه هذه المملكة النبيلة. ففي ثورات هذا الشعب العربي، بدءاً من الثورة الفلسطينية في الـ(48م)، مروراً بثورة الجزائر، وانتهاءً بكلِّ الثورات (الشعبية) التي أوقظها الربيع العربي في العامين المنصرمين، فالمملكة مثلاً كانت تدعم الشعب الفلسطيني قبل ياسر عرفات وبعده ولم تزل، والمملكة كانت تدعم الشعب المصري قبل حسني مبارك وبعده ولم تزل، والمملكة كانت تدعم الشعب اليمني قبل علي صالح وبعده أيضاً، والمملكة كانت تدعم الشعب السوري قبل بشار الأسد وبعده أيضاً، والمملكة كانت تهبُّ لمساعدة أيّ شعب عربي أو إسلامي يتعرّض إلى أيّة كوارث مهما كان نوع تلك الكوارث، بل تعدّى دعمها ومساعدتها إلى أي شعب مهما كانت جنسيته وديانته يتعرّض إلى الجوع والفقر وما تخلِّفه الحروب من مآسٍ.
***
كلُّ ذلك، كلُّ ذلك، كلُّ ذلك تفعله المملكة لوجه الله، ومن ثم الانحياز للإنسان مهما كان ذلك الإنسان، وللشعب مهما كان ذلك الشعب، وهي لا ترجو من خلال قياداتها الراشدة ومن ملوكها النبلاء السابقين والباقين - بعد طول عمر - أية (منّة) أو امتنان أو شكر أو (ظهوله) أو (هجوله) إعلامية من أحد.
***
أما بالنسبة للأخ الأكبر للعرب خادم الحرمين الشريفين - ومهما تعرّضت أعماله الإنسانية إلى النكران والإجحاف والجحود، فإنه سائر بدربه المضيء، لا يلتفت للحاسدين والحاقدين، متخلِّياً عن كلِّ ألقاب التفخيم، مكتفياً بخدمة البيتين فقط.