ما زالت أزمة منطقة اليورو قائمة، وكانـت الحلول المتاحة قليلة ومتباينة، فهناك ما ذهبت إليه ألمانيا من الحث على التقشف في الدول التي تعاني من تراكم الديون، لكن فيما يبدو أن التيار الشعبي في بعض من الدول الأوروبية إن لم يكن أغلبها قد أدى إلى وصول أحزاب لا تتفق مع نهج التقشف، وإنما ترى في تحفيز الإنتاج بضخ مزيد من المال أداة فعالة في حل مشاكل تراكمية، ولابد لنا أن نعرف أن الحل المتمثل في التقشف ليس له شعبية، لكنه في ظني الأكثر والأسرع فعالية.
وصول تلك الأحزاب المؤمنة بالتحفيز جعلت ألمانيا تتعامل مع الواقع بموضوعية، ولهذا فقد رأت أن التنازل عن بعض القناعات قد يكون هو أفضل الحلول المتاحة وليس بالضرورة أن يكون الحلول الأمثل طبقاً لقناعاتها.
وحتى يمكن معالجة تلك المشكلة فقد كان قرار البنك المركزي الأوروبي شراء السندات الحكومية هو أفضل الحلول مما يعني أنه سوف يتحمل مخاطرة عدم القدرة على تسديدها من قبل تلك الدول، ولهذا فكان لابد من وضع حزمة متكاملة من الشروط المصاحبة لهذا الفتح الجديد الذي وافقت عليه ألمانيا، وهو يعني أن الدول التي ترغب من البنك المركزي شراء ديونها أن تلتزم بتلك الشروط وتنفيذها بإشراف من البنك المركزي الأوروبي، وهذا يعني سلباً للسيادة المالية لبعض الدول وإرغامها على سلوك مسلك قد لا يتوافق مع رغبات شعوبها.
إننا هنا نتحدث عن تداخل بين السياسة والاقتصاد والاجتماع وهذه علوم لا يمكن تجزئتها، ومن هنا فإن أي رأي اقتصادي لابد له من موافقة أو توافق اجتماعي، ولابد للسياسة من تبنيه بغض النظر عن المصالح الحزبية، والآمال الانتخابية وهذا قد يكون صعباً لأنه صراع مع الطموحات الشخصية، والإملاءات النفسية.
عندما يتم إقرار شراء الديون، والولوج الفعلي إليه، فلابد من مصدر لتلك الأموال التي سوف يتم دفعها، وهذا بكل بساطة طبع أوراق نقدية، فيكون المعروض منها في السوق أكثر من قيمة الإنتاج التي تمثله، فيزيد العرض على الطلب فيكون التضخم، وتزيد الأسعار، وهذا من أسوأ ما قد يترتب على هذا النهج، لكنه خيار لابد منه وسيخرج للواقع بعد سنوات من طبع تلك الأوراق النقدية الأوروبية، وهنا فسنجد أن الدول المعنية بهذا الدعم من خلال شراء السندات لا يمكنها أن تحيد عن تلك الشروط التي تستلزم حسن الإدارة والقدرة على تحصيل الضرائب، وصرف المبالغ في وجهها الصحيح، والعمل على تقليل المال الذي يذهب في غير محله، ولهذا فإن أوجه الإنفاق لابد لها أن تتغير.
وفي الختام فإن الذي سوف يتحمل تلك الأعباء هو الشعب الألماني الذي ما زال صبوراً بسبب مقدار النمو الذي ينعم به، والبطالة ذات النسبة المنخفضة مقارنة بغيرها من الدول.