«مَنْ يجهل أهميَّة مشكلة القمح ليس برجلِ دولةِ ناجحِ!» هذه المقولة تنسب للفيلسوف الشهير سقراط، وبحسب التَّفسير الضمني الواسع فإنَّ المقصود هنا ليس القمح «السلعة» وإنما الغذاء الذي يتناوله النَّاس وأهميَّة العناية به وبطرق وصوله إليهم في وعي صانع القرار. الحقيقة أن الغرب وهو الذي يُعتبر سقراط أحد أهم المؤسسين لفلسفته الحديثة لم يتجاهل وصيَّة هذا الحكيم، فما يزال ملف الزراعة -رغم تفوّقه التَّقنيُّ- أحد أهم أولوياته وميدانًا ساخنًا في صياغة سياساته، بل وعلاقاته الخارجيَّة.
القطاع الزراعي اليوم تحيطه في كثير من دول العالم -والمتقدم تقنيًّا منها خصوصًا- الأسوار العاليَّة من «الحمائيَّة» من خلال التعرفة الجمركيَّة العاليَّة التي تصل في إحدى الدول إلى 800 في المئة في بعض السلع، وبحساب متوسط التعرفة العالمي يمكن الجزم أنّه يتجاوز في السلع الزراعيَّة غيره من السلع بأكثر من 3 مرات، بل إنّني ما أزال أتذكَّر أثناء تغطيتي للمؤتمر الوزاري السادس لمنظمة التجارة العالميَّة في هونج كونج قبل سنوات أن سجالات الزراعة كانت الطاغية على كلِّ الملفات وتعثر مفاوضاتها بين الكبار كانت النتيجة الغالبة بسبب تعنّت كل طرفٍ بمصالحه ورؤيته الإسترابيجيَّة لقطاعه الزراعي!
تحرك وزارة الزراعة في بلادنا مؤخرًا -أو إذا تأكَّد فعلاً هذا التوجُّه حسب ما ذكرته الزميلة صحيفة الاقتصاديَّة قبل أيّام- لمواجهة سيطرة العمالة الأجنبية على سوق المحاصيل الزراعيَّة في المملكة يُمثِّل خطوة مهمَّة لانتزاع سوقٍ إستراتيجيٍّ حيويٍّ من أيدي ثبت عبثها واستحواذها على مبالغ طائلة بممارسات احتكارية مسَّت قوت المواطنين وغذاءهم، صحيح أن شرارة التَّقصي في واقع هذا السوق بدأت مع ملاحظة ارتفاع الأسعار غير المبرر في المنتجات الزراعيَّة، لكنَّه يمكن أنْ يكون النواة القادمة لإعادة هيكلة هذا السوق وتأسيسه كمحضنٍ اقتصاديٍّ مهمٍّ لشباب الوطن الذي أجزم أن أسطوانة تفضيله للعمل المكتبي واستكانته له قد دحضتها الكثير من الشواهد والإنجازات..
مراقبة حسابات الأجانب العاملين في هذا القطاع -حسب التوجُّه الجديد الذي أتَمنَّى أن يكون حاسمًا- سيسهم فعليًّا في استسلامهم أمام الواقع الجديد وتفتيت بؤرهم الاحتكارية وتنقيَّة السوق من تكتلاتهم المشبوهة التي طالما أخرجت شبابًا سعوديين جادين من السوق..، هذه الخطوة ستمثِّل إضافةً حقيقيةً لحزمة إجراءات وسياسات المملكة في الأمن الغذائي الذي يمثِّل أساس كلّ أمن، لكن كلّ إجراء وكلّ قرار يتطلب نجاحه إيمانًا وحماسًا يماثل قُوَّته من المواطن لتفعيله وتطبيقه، فقد حان دور المواطن لتفعيل هذا التوجه بوعيه وممارسته التي تقطع الطريق أمام هؤلاء الذين سيحاولون القفز بزانة الاحتيال ليحافظوا على كعكة كبيرة ستنتزع من أيديهم!
دمتم بودٍّ وإلى اللقاء.
عبر تويتر: fahadalajlan@