يستطيع المرء، وهو يُشاهد فيلما عن رجل وجَدَ مالا في حقيبة، أن يُدرك - منذ بداية الفيلم - أن المال المُلقى على قارعة الطريق سيكون لعنةً على من وجده.
لعنة.. لأن من وجده لا يستطيع، بالمعرفة والخبرة، أن ينجح في أن يُحوّله نعمةً، مثلما “نستطيع” نحن،
بـ “خبراتنا وذكائنا وثقافتنا”، أن ننجح في ذلك.
ممثلو الأفلام هم وحدهم الذين لا يُشاهدون الأفلام، وتاليا هم الوحيدون الذين لا يدرون ما الذي يُمكن أن يكون قد جرى في فيلم سابق.
لذلك، فإن ممثلي الأفلام هم دائما “جهلة”، ولا يُحسنون التصرف. لكننا نحسدهم، لأنهم جهلة وحمقى بالضبط، ولأننا نشقى بمعرفتنا وبخبراتنا وثقافتنا، ونعرف أن “المُصادفات” تتعمد أن لا تلاقينا نحن، لعشقها أقواما جاهلين.
الجهل سبب للحسد. لكننا نعرف. ونعرف أيضا أن المعرفة حين تحلّ لا يُمكن محو آثارها. حين نعرف ترسخ المعرفة فينا، فلا يعود مُجديا أن نُقبل على الحماسات والجهل، بقلوب بريئة، وعقول عذراء.
المعرفة لعنة، لأنها عدوة الحظ، ولأن الحظ يحتاج، أولا، ألا ننتظره.
الحظ يحتاج أن يحلّ على غير توقع منا، أن يُفاجئنا.
لكننا نعرف، ونحسب الاحتمالات، فلا يعود الحظ يجد منفذاً إلينا.
هكذا، فإننا لا نستطيع - مثلاً - أن نُقدم برنامجا تلفزيونيا نضحك فيه عن ظهر قلب، ولا عن بطن قلب.
علينا أن نضحك للنكتة من قلبنا، لأننا لم نكن نعرفها أصلاً. والفكرة التي خبرناها لا تستطيع أن تذهب بنا نحو أي حماسة ممكنة.
إنه الرشد، الذي يعني أن الحظ أصبح وراءنا، وأن لا مجال لأن نتعامل معه إلا بالحسد.
نحن نحسد الجاهلين الذين تنتظرهم حظوظهم عند المفترق الأول الذي يعقب نظرتنا إليهم، ونحسد الذين لم يكتملوا، جسداً وروحاً بعد، لأنهم يملكون الحظوظ في أن يصبحوا جميلين وأغنياء و.. محظوظين.
Zuhdi.alfateh@gmail.com