كتب الدكتور عبدالله المعيلي بعدد «الجزيرة» ليوم الأحد 22 شوال 1433هـ مقالا بعنوان (ما عندكم إلا الدجة) تناول فيه وضع المدارس الأهلية مع المعلمين المعينين فيها من وزارة التربية والتعليم، والتأثير السلبي لانسحابهم المفاجئ على العملية التعليمية والتربوية في تلك المدارس.
وقد أحدث مقاله عن (الدجّة) عندي (رجّة) وخصوصاً أبياته الشعرية التي نقلها من العصر الجاهلي فقال: ويصف الشاعر الجاهلي طويلخ بن والج حبيبته عريجاء بنت حولان بأنها (دجَّة) فيقول:
وما لي أرى الدجة دامعة باكية
أهو من رفسي في بطنها وأنا نائم
وهذا البيت لاشك في أنه من الشعر الخنفشاري المشهور والمنسوب إلى البيت المعروف:
لقد عقدت محبتكم بقلبي
كما عقد الحليب الخنفشار
والقصة قديمة منشورة في المواقع الإلكترونية بصيغ مختلفة حسب رواتها، وقد أعطت المعاني التي أوردها في استعمالات العرب كلمة (الدجَّة) لمقالة طرافة أدبية، خلطت الجد بالهزل، والتلادة بالطرافة على الطريقة الجاحظية، مما دعاني للرجوع إلى (أساس البلاغة للزمخشري) فوجدته يقول:
(دجج: هو من الداجِّ وليس من الحاجِّ، وهم الذين يمشون معهم من أجير أو حمال أو نحوهم، من دج دجيجاً، بمعنى دب دبيبا، ومنه الدجاج، ولي دجوجي: مظلم. ودججت السماء: تغيمت. وفارس مدجج: شاك. وقد تدجج في شكته: تغطى بها).
وفي المحيط للفيروز آبادي:
(دجَّ يدجُّ دجيجا: دبَّ في السير، ودجَّ البيت: وكف، ودجَّ فلان: تجر، وأرخى الستر.
والداجُّ: المكارون والأعوان والتجار، ومنه ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه رأى قوما في الحج لهم هيئة غير هيئة الحجاج، فقال: هؤلاء الداج وليسوا بالحاج). (مختصراً).
فإذا نظرنا إلى الأصل اللغوي للدجة يمكننا مقاربة المقصود بعبارة: ما وراءكم إلا الدجة! وما في سياقها، التي تورد على سبيل الإنكار، بالنظر إلى عبارة ابن عمر رضي الله عنهما. أي: أنها هيئة منكرة، ووضع مخالف للمألوف المتوقع كما هو الحال في الداجّ والحاجّ!.
وعلى هذا ناسبت العبارة الوضع الذي انتقده الدكتور عبدالله المعيلي، وخرج المعنى من الاستعمال اللغوي المباشر بمعنى الدبيب، والظلمة، والتغييم، والوكف، إلى الاستعمال الدلالي لواقع الحال غير المألوف، أو غير المتوقع.
وهو هنا الوضع المرتبك للمدارس الأهلية نتيجة انسحاب المعلمين من وظائفهم المؤقتة فيها إلى وظائف دائمة في وزارة التربية والتعليم.
وأقول إذا سمح لي القول: إن هذه الدجة موجدة بصور مختلفة، ومستويات متعددة إحداها ما أورده الدكتور المعيلي. والصورة المتكررة لهذه الدجَّة هي تسجيل التلاميذ والتلميذات في الصف الأول الابتدائي في كل عام. فالمدارس لا تنهي تسجيل أبناء المواطنين وبناتهم قبل فتح المدارس بوقت كاف لحصر عدد المستجدين للعام الجديد، ومعرفة حاجاتهم من الكتب، وحاجة المدرسة لفتح فصل جديد من عدمه، وتنبني عليه حاجة المدرسة إلى معلمي الصف الأول الابتدائي المفترض أن لهم تأهيلا خاصة لتأسيس البناء التربوي والتعليمي لهذا المنتسب الجديد.
وذيل هذا الموضوع هو تسجيل أبناء المقيمين وبناتهم، إذ لا تستقبل المدارس الملفات حتى افتتاح المدارس فعلياً، ويبقى أولياء أمورهم في قلق متواصل، وكم تكون الصدمة (الدجَّة) موجعة عندما يقول له مسؤول التسجيل: لا توجد أماكن! وهو في الحي الذي يسكن فيه منذ سنوات غالباً، فأين يذهب؟ إذا كانت المدرسة التي في حيه لا تستقبله فهل تستقبله مدارس الأحياء الأخرى؟ وهنا تبدأ المعاناة، والدجَّة بعد الدجَّة! حتى يستقر قراره.
والسؤال العريض الذي يطرح: لماذا لا تنتهي عملية التسجيل لأبناء المواطنين والمقيمين حسب أماكن إقامتهم في الأحياء قبل فتح المدارس بوقت كاف، حتى تكون الرؤية واضحة لدى إدارات المدارس لرفع احتياجات مدارسهم إلى إدارات التعليم، وتكون المشكلات المتوقعة قد حلت قبل فتح المدرسة وتوافد التلاميذ إليها، وخصوصاً المستجدون من الصف الأول؟ فهل الأصل في أبناء المقيمين حصولهم على حق التعليم أم حرمانهم منه؟ أعتقد أن الجواب الجازم والحاسم هو استحقاقهم لذلك، وخصوصاً أن العالم ودولا كثيرة رفعت سقف التعليم الإلزامي من السادس الابتدائي إلى نهاية الثالث المتوسط فصار تسع سنوات بدلا من ست سنوات، وصارت المرحلة تسمى التعليم الأساسي بدلا من مسمى الابتدائي والإعدادي (المتوسط).
إن الدكتور المعيلي بحكم مكانته التربوية والتعليمية هو خير من يتفهم هذه القضية الدَّجةّ وأرجو منه أن يتبناها، ويوصلها إلى أهلها للخروج من المعاناة السنوية لطائفة كبيرة من المقيمين في هذا الوطن المعطاء، وهم يسهمون في تنميتها جنبا إلى جنب مع إخوتهم المواطنين. والله الموفق.
شمس الدين درمش - مدرس سابق - الرياض