مع اتفاقنا على وجوب محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من حبنا لأنفسنا ولوالدينا وأولادنا والناس أجمعين، ومع اعتقادنا بوجوب نصرة الحبيب الأمين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، ونشر سيرته في الآفاق، و التمسك بسنته والاقتداء بهديه والذود عن حياض شريعته، مع ذلك.. إلا أن ردود الفعل الشخصية إزاء نشر الفيلم المسيء له عليه الصلاة والسلام اختلفت بشكل كبير، كما اختلفت ردود الفعل الرسمية الإسلامية والعالمية، وتباينت المواقف بتباين فهم المنكر والوسائل التي وظفت من أجل الوقوف ضده والتي يعتقد أنه أبلغ في الإنكار وأكثر تأثيراً في الرأي الدولي الرسمي منه والشعبي العام.
نعم نتفق جميعاً على أن إنتاج الفيلم هذا وما ماثله من أعمال فنية فيها إساءة للمقدس عند أتباع الإسلام ليس من الحرية الشخصية في شيء بل هو خرق واضح وتجاوز فاضح لما عليه الأعراف الدولية والمسلمات العقلية إلا أن موطن الخلاف بين علماء الأمة ومفكريها وساستها ومحلليها كما يظهر لي من خلال متابعة وسائل الإعلام العربية والإسلامية في ردود فعل الشارع العربي والإسلامي من قتل للسفراء وإذاء لأهل الذمة والمستأمنين.
ما يجب التوقف حوله.. ما تبادله الناس في وسائل التواصل الاجتماعي المعاصرة من أن المركز الدعوي الإسلامي في ولاية واشنطن بأمريكا أعلن اعتناق ما يقارب 360 ألف أمريكي الإسلام منذ نشر الفيلم على مواقع اليوتيوب، إذ شهد المركز إقبالاً شديداً خلال الثلاثة الأيام التالية لهذا الحدث المشين من قبل الأمريكان لمعرفة حقيقة هذا الدين والسؤال عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وداخل أروقة المركز شهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله هذا العدد المسجل أعلاه!!.
إنني شخصياً ألزم الحياد ولا يمكن لي أن أكذب الخبر ولست مصدقه وقد قيل قبل هذا خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر أن أضعاف أضعاف هذا العدد من الأمريكان دخلوا الإسلام وأقبلوا على قراءة القرآن ولكن اتضح بعد ذلك أن ما قيل فيه شيء من المبالغة، ومن زار الولايات المتحدة الأمريكية خلال السنوات القريبة الماضية سيجزم بعدم مصداقية ما قرأ!!.
إن تصديق مثل هذه الأخبار وتداولها والمفاخرة فيها يدل على بساطة التفكير لدينا وسذاجة عقولنا وعدم معرفتنا بطبيعة الشعوب واعتقادنا سهولة تغيير القناعات حتى وإن كانت خاطئة مع أننا نعرف عن أنفسنا غير ذلك فعاداتنا وأعرافنا تبقى من مكونات ذواتنا ولسنوات ولا نستطيع أن ننسلخ منها مع يقيننا بخطئها وربما مخالفتها لمسلمات ديننا الذي نؤمن به ومع تذكرينا من قبل علماءنا بخطئها ومخالفتها لنصوص شريعتنا الغراء.
نعم قد تحدث المعجزة ويؤمن بهذا الدين أكثر من هذا العدد بكثير، ولو أراد الله عز وجل لجعل الناس أمة واحدة، ولو شاء الله لأسلم من في الأرض جميعاً، ولكن القول بأن هذه الإساءة والسقطة المشينة جاءت بسكان واشنطن لهذا المركز من أجل السؤال عن هذا الدين وعن شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان النتيجة الأولية في الثلاثة أيام فقط إسلام هذا العدد الضخم فهذا ما أشك فيها، ويشك فيه كل من عرف طبيعة المواطن الأمريكي وكيف يفكر وما هي اهتماماته وأولوياته في الحياة ووسائله التي يسلكها للوصول إلى المعلومة وقدرته على استخدام وسائل التقنية الحديثة وتوظيفه لها في الحصول على أجوبة ناجزة لما يعٌنّ له من تساؤلات مقلقة ومثيرة.
إن العقلية التي تعمل فقط في دائرة ردود الأفعال عقلية عاجزة عن الإنجاز وستظل في الصف التالي ولن تتقدم لقيادة الحراك الفكري والاجتماعي العالمي منه والمحلي، وهذا الخبر بدلالته الضمنية يومئ إلى هذا ويدل عليه، فمؤسساتنا الدعوية الخارجية ضعيفة في الفعل متحفزة لممارسة ردود الأفعال والذب عن هذا الدين وتحسين الصورة السلبية التي يراد لها أن تلصق بالمسلمين ولذا هي في نظري ضعيفة التأثير على المسلمين، هناك وأبنائهم وأبناء أبنائهم الذين ولدوا وترعرعوا في الغربة العقدية والأخلاقية، فضلاً عن أن تكون فاعلة في طرق أبواب التغيير العقدي والقيمي للذهنية الغربية خاصة الأمريكية منها.
إن من واجبك أخي العزيز.. التحري والتدقيق فيما تنشره أو ترسله عبر التويتر أو الفيس بوك أو الوتس أب وما ينقل عنك هو دليل عن عقليتك وقدراتك وملكاتك فكن أميناً فاحصاً ومتفحصاً حتى تساهم في نشر الحق وتساعد على وصول المعلومة الصحيحة التي تتفق مع نصوص الشرع وتتسق مع العقل والمنطق لا الرغبة والعاطفة دمتم بخير وصلى الله وسلم على نبيناً محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.