سبق أن ذكرت في أكثر من مقال أن الليبرالية الغربية تعيش اليوم مأزقاً حقيقياً بالنسبة لتطبيقات الحرية في مجتمعاتها، وبالذات (الحرية الدينية)، سواء على مستوى حق الاعتقاد أو طريقة الممارسة أو تجريم الإساءة! بدلالة أن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون
ذكرت في مقابلتها للسفراء العرب على خلفية الفيلم المسيء للرسول صلى الله عليه وسلم أن الدستور الأميركي يعطي الحق للفرد أن يُمارس حريته في التعبير تجاه الأديان! وهنا تتجلى حقيقة الحرية الدينية أو التسامح الديني! أو بالأصح المأزق الذي أشرت إليه، فالليبرالية تكفل للفرد الحرية الدينية بأن يعتقد ما يشاء حتى لو جاء بدين جديد، وفي ذات الوقت لا تمنع ممارسة أية حرية فكرية أو إبداء رأي مهما كان تجاه أي دين، لأن الليبرالية لا تعترف بالمقدَّس أصلاً.
هذا التناقض هو السبب الرئيس في حدوث جريمة فيلم الشيطان المُعنون بـ(براءة المسلمين) المسيء لأعظم وأفضل إنسان على وجه الأرض عليه الصلاة والسلام.
ما يعني أن كل الكتابات والتعليقات والتصريحات، التي تناولت هذه الجريمة وناقشت أبعادها، واستنكرت تداعياتها السلبية حتى وصلت في حدة تطرفها إلى مقتل السفير الأميركي في ليبيا وثلاثة من موظفي السفارة، هي مواقف لا تخرج عن دائرة مناقشة (النتائج) رغم تباينها دون الغوص في (الأسباب) الحقيقية للجريمة الرئيسة، فالمشكلة ليست في يهودي خبيث حصل على مورد مالي واستغل مجموعة ممثلين فأنتج فيلماً بالغ السوء والحقارة، ولا في قبطي حاقد وجد في الفيلم تنفيساً عن أحقاده المريضة بالترويج للفيلم إمعاناً في أذى المسلمين.
كما أن تصريحات الإدانة من قِبل الإدارة الأميركية لفيلم الشيطان - الذي اعتبرته مقززاً في مادته ومرفوضاً في غايته - ليست (صك براءة) للغرب والأمريكان تحديداً، الذين سبق أن اعترضوا على إصدار قانون أُممي يُجرم المسّ بالمقدسات أو الإساءة للأديان، فتلك التصريحات لن تنهي مشكلة الاحتجاجات الهادرة، ويُقفل ملف الجريمة وكأن شيئاً لم يكن، بل العكس ستتكرر هذه الجريمة بما هو أشنع منها لا قدَّر الله، لأن جريمة الفيلم هي في واقع الحال امتداد لجريمة حرق القرآن، وقبلها الفيلم الهولندي، وقبله الرسوم الدنمركية المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم.
تلك الجرائم لم يتم معالجتها بشكل جذري، بل للأسف تم الالتفاف على خيار المقاطعة الاقتصادية (السلمي)، الذي انتهجته الشعوب المسلمة إزاء قضية الرسوم الدنمركية المسيئة، واليوم مع هذه الجريمة النكراء يُطالبون جماهير الأمة أن لا ينفلت عقالها، رغم أن أمتنا هي الوحيدة التي تتعرض لذلك.
لهذا ما لم تُبادر الحكومات العربية والإسلامية إلى اتخاذ موقف جاد وحازم يتجاوز البيانات الرسمية والمواقف الدبلوماسية إلى إجبار الحكومات الغربية على التعاون لإصدار قانون يُجرم الإساءة للأديان والمقدسات، فإن الجرائم ضد دين الإسلام ومقدسات المسلمين سوف تتواصل بوتيرة أشد، ما يؤدي إلى احتجاجات وصدامات أكبر لأن الشعوب بذلك تكون قد فقدت مصداقية الطرف المعتذر.
وعليه فإن براءة الغرب الحقيقية من فيلم الشيطان وكل الأعمال المسيئة لا تكون إلا بأن تُصادق حكوماته على إصدار قانون يُجرم الإساءة للمقدسات والأديان على مستوى العالم، كما فعلت بإصدار قانون معاداة السامية، خصوصاً أن الغرب يُمسك بتلابيب القرار الدولي، وهي فرصة العرب والمسلمين اليوم لاختبار جديته.
moh.alkanaan555@gmail.comتويتر @moh_alkanaan