قبل أيام مرت ذكرى تفجيرات 11 سبتمبر 2001 التي لم تمح بعد 11 عاما كل آثار وصمها للمسلمين بالإرهاب ومعاداة العالم. التفجيرات نفذت فعلا وقتل فيها الآلاف, وإن كان العالم لم يتفق بعد على حقيقة التفاصيل يظل العرب والمسلمون هم من يدفع الثمن استهدافا وإقصاء. وقد تساقط آلاف في العراق وأفغانستان في الحرب ضد «محور الشر»!
الشر متجذر في نفوس البعض من الطرفين. والشر يستولد الشر.
قبل عقود ونحن نتابع الدراسة في الولايات المتحدة، وقبل عودتنا من إجازة صيف, حدث إرهاب ما مرتبط بالفلسطينيين لعله كان الهجوم على الفريق الإسرائيلي في المباريات الأولومبية في ألمانيا. وإذ تناقل الإعلام التفاصيل ثارت ثائرة العالم ضد كل العرب والمسلمين موصومين جميعا بالإرهاب, بينما تعالى التصفيق محليا لـ»لأبطال».
أذكر، حين سافرنا عائدين بعد الإجازة مروراً بمطاري لندن ونيويورك, كيف كان مضيفو الطائرة يراقبون كل حركاتنا بتوجس, مما جعل زميلنا الثالث يتلاعب بأعصابهم بصبيانية فيقف فجأة ليسحب شنطته ويتلفت هنا وهناك بلا سبب, دون أن يدرك خطورة ما يفعل, حتى طلب منه زوجي أن يتوقف ويجلس بهدوء. في نيويورك افترقنا ليسافر هو إلى جامعته في ولاية أوريجن ونستأنف رحلتنا إلى نورث كارولينا.
بعد أيام اشتبكت مجموعة من زملائنا الطلاب السعوديين في ولاية أوريجن في «هوشة» مع مجموعة من الأمريكيين استفزوهم في صالة للألعاب ترتادها فئة الشباب. وربما كان سنهم الصغير المتهور والتهييج السياسي الإعلامي السبب في التوتر والاشتباك. تصاعدت الأمور بين المجموعتين وغادر جماعتنا الصالة غاضبين. وكاد الأمر أن ينتهي بسلام لولا أن بعضهم لم يعجبه الخروج «مهزومين». وسوس لهم الشيطان فعادوا مستثارين مترصدين ومعهم آخرون يدعمونهم ليشتبكوا مرة أخرى. وهذه المرة تناول الأمريكيون العصي المستخدمة في لعبة البليارد كأسلحة للهجوم والدفاع. وأصيب أحد أفراد المجموعة السعودية بعدة ضربات شديدة في رأسه سقط على أثرها مغميا عليه, ونقل إلى المستشفى وأوقف البوليس أفراد المجموعتين للتحقيق. كان الضحية زميلنا في رحلة الوصول الذي خرج من الوطن لأمريكا لأول مرة. شاب من عائلة محترمة جيران وأصدقاء لأهل زوجي منذ الطفولة، ترك أهله وزوجته عروسا في الطائف لينضم للدراسة الجامعية. لا أعرف أي سوء حظ حداه أن يكون مع الآخرين في تلك الليلة المشؤومة. اتصلوا بنا حالا من مدينته الجامعية حيث اسم زوجي وعنوانه هو ما كان مسجلا للإبلاغ في حالة الطوارئ, فسافر حالا للاطمئنان عليه؛ ولكن المسكين لم يخرج من حالة الخطر بل تحول الإغماء إلى غيبوبة ممتدة. وكان علينا مهمة الاتصال بأهله في الوطن لإبلاغهم حيث كان الطبيب متشائما أنه لن يعيش لشدة ما أصابه من الضرب على رأسه.
ظللنا نحاول الاتصال بهم لمدة ثلاثة أو أربعة أيام قبل أن ننجح في «الحصول على خط الهاتف العالمي». ليهرع والداه إليه على عجل على أول رحلة ممكنة ممتدة بين الطائف وأوريجن. ومع الأسف كانت لحظة اللقاء هي لحظة الوداع فارق بعدها الحياة حالا وكأنه كان ينتظر وصولهم رحمه الله.
تعود إليَّ هذه التفاصيل اليوم وقت كتابة المقال في 12 سبتمبر 2012 وأنا أتابع اختباص العالم بعد تناقل نشر فيديو مسيء لديننا ورسولنا صلى الله عليه وسلم أمس بالذات في ذكرى تفجيرات 2001 على اليوتيوب وانتشاره عبر التويتر والفيسبوك والإيميل وحتى الهاتف الجوال, ويتلو ذلك حالا الهجوم الانفعالي على مقري السفارة الأمريكية في ليبيا وفي القاهرة وتداعيات ذلك من مقتل السفير والموظفين.
ما زلنا نقف على كف عفريت مقيت يتلبس متهورين صغار العقول.
يتهور البعض -من هذا الطرف أو ذاك- فيرتكبون فعلا شائنا كإخراج ونشر رسوم مسيئة أو فيلم قذر يستفز، أو اغتيال فريق أو القيام بتفجير موقع مسلطة عليه الأضواء الإعلامية.. فيبدأ مسلسل الشر من جديد. ولا يحتاج لبدء التفاعل القاتل غير دقائق معدودة!