«كلما ازددتُ معرفةً ببعض البشر، كلما ازددتُ حباً لبعض الكلاب».
سيقفز أحدهم ليقول لي: كيف لك أن تقارنين من كرّمه الله بنعمة العقل بمن حرمه الله منها؟ وبمن هو نجس؟ سأقول له: كلما ازددتُ معرفةً ببعض البشر، كلما ازددتُ حباً لبعض الكلاب؛ فمن كرّمه الله بنعمة العقل ولم يستخدمها، أو أساء استخدامها، فذلك أضل سبيلا، كما أنني لا أتحدث هنا عن النظافة الخارجية أو النجاسة، بل عن النظافة الداخلية؛ نظافة الأفعال والسلوك.
هل سبق أن سمع أحدكم مرّةً بكلبٍ يستلم مبلغاً وقدره من حُرِّ مال ربّ أسرةٍ ما ليستقدم لهم عاملة منزلية؟! ليمضيَ عامٌ كاملٌ والأسرة في انتظار تلك العاملة الموعودة - التي أضحت عالمة ذرّةٍ ليستغرق استقدامها عاماً كاملاً - وليتها أتت! ألم يستمع صاحب مكتب الاستقدام هذا، والذي اختاره رب تلك الأسرة لكونه مكتباً موثوقاً وليته ما اختاره، لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان»؟ لقد وعد صاحب هذا المكتب ربَّ تلك الأسرة المحترم هوَ وغيرَه من العملاء وعوداً لا تُعَدُّ ولا تحصى خلال عام كامل، ولكنه لم يفِ بوعوده، حتى بعد رحلته للاستقدام، والتي كانت بعد حوالي العام من استلام مبالغ الاستقدام الطائلة، فلم يُحضِر معه العاملة المنزلية الموعودة بعد أن أؤتمن على أموال تلك الأُسر على مدى عام كامل لم يفِ بها لهم ولا بعقوده معهم، ومن أمن العقوبة أساء الأدب!.
هل سبق أن سمع أحدكم بكلب عضّ يد صاحبه التي امتدت له بالخير؟! أنصحك قارئي العزيز أن تشاهد فيلم «هاتشيكو» لتستمتع بقصة وفاء كلبٍ احتضنه صاحبه بعدما وجده جرواً تائها في محطة قطار ليتربّى لديه. وعندما ودّع صاحب الكلب هذه الدنيا إثر وفاة مفاجئة ترك وراءه ذلك الكلب الذي كان ينتظره كل يوم عند محطة القطار في نفس الوقت الذي كان يرجع فيه من عمله كما اعتاد في حياته، استمر ذلك الكلب في طقوس وفائه ليس عاماً أو عامين، بل عشرة أعوام بعد وفاة صاحبه إلى أن ودّع هو الآخر هذه الدنيا!، وقعت أحداث هذه القصة الحقيقية في اليابان، وجثة هاتشيكو محنطة ومحفوظة في المتحف الوطني للعلوم في أوينو - طوكيو، كما قد صُنع تمثالٌ لذلك الكلب في ساحة محطة شيبويا التي شهدت وفاءً يصعب مثيله في دنيا البشر.
دعك من كلب اليابان هذا وقل لي عزيزي القارئ: هل سمعت بكلب يجزر جراءه؟! إذا سمعت به فدلّني عليه لأنني مشغولة بمتابعة أخبار مجازر النساء والأطفال؟! هل من كلب اخترقت رصاصاته صدر طفلٍ أو ذبح بسكين أطفالاًً ونساءً في مجازر جماعية؟! أيننا الآن من وفاء هاتشيكو؟ أو حتى من أسدٍ لا يفترس فريسته إلا عندما يكون جائعاً؟!.
ماذا حلَّ بعقل ذلك الطاغية وشبيحته لنرى ما نراه الآن في سوريا في شهر رمضان الشهر الحرام للسنة الثانية؟! أسأل الله أن لا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، وينزل عليهم أهل سوريا جنداً من السماء، الله أكبر الله أكبر الله أكبر «نصر من الله وفتح قريب».
أما بعض الكلاب فقد أخجل إنسانية بعض البشر، وأما بعض البشر فقد تخجل منه بعض الكلاب!