تألمنا جميعا مما قيل إنه فيلم مسيء للرسول عليه الصلاة والسلام، وهو في الحقيقة ليس فيلما، اذ لا يعدو أن يكون «خيال مجموعة من المنحطين» تم تصويره على أنه فيلم، اذ إنه كان من السوء، والرداءة، وبؤس السيناريو، وسطحية الطرح ما يجعل النفس السوية تتقزز منه أيا كانت ديانتها، ومع أن ردة الفعل متوقعة من قبل المسلمين، إلا أنها كانت وبالا هذه المرة، حيث إن العنف كان هو سيد الموقف، وقد تمت تغطية ذلك بشكل واسع من قبل وسائل الإعلام العالمية حول العالم، وزاد الأمر سوءا تزامن المظاهرات العنيفة تنديدا بالفيلم، مع اغتيال السفير الأمريكي في ليبيا كريستوفر ستيفنز، فتم خلق حالة من الهلع لدى المتلقي الغربي، الذي بدأ للتو يعيد تقييم حساباته مع العرب والمسلمين بعد الثورات العربية، وهذه بحد ذاتها كانت نكسة كبرى، فما الخلل يا ترى؟.
من الواضح أن الشعوب العربية، والمسلمين عموما لا يقيمون الأمور جيدا، حيث إنه لا علاقة بالحكومة الأمريكية بالفيلم من قريب أو بعيد، فالمادة الأولى من الدستور الأمريكي الذي كتب قبل أكثر من مائتي عام تنص على حرية التعبير، وهذا أمر مقدس لدى الشعب الأمريكي، ولذا فليس باستطاعة الحكومة - من الناحية القانونية - أن تتحكم فيما يصور وينشر، وللعلم فقد تم إنتاج أفلام تسيء للنبي عيسى وللنبي موسى عليهما السلام قبل ذلك، ثم إن منتج الفيلم قبطي مصري، وكان من الممكن أن ينتج هذا الفيلم البائس في أي دولة أخرى، وقد شجبت السيدة هيلاري كلينتون والرئيس اوباما هذا الفيلم بأقوى العبارات، ونعتوه بأقذع الأوصاف، وتحدثوا بوضوح عما ذكرته آنفا، ومع ذلك فقد وقعت الواقعة، فما هي يا ترى الجذور الحقيقية للعنف ضد سفارات الولايات المتحدة؟.
في تقديري أن الشعوب العربية والإسلامية - والتي اعتادت طويلا على ثقافة الرقيب، وعلى أنه لا يمكن أن يتم نشر أي مادة إعلامية إلا بعد موافقة السلطة - قد طبقت هذه الحالة على الفيلم المسيء، وهي على يقين من أنه لم يظهر إلا بمباركة الحكومة الأمريكية!، ولذا كانت ردة الفعل عنيفة ضد المصالح الأمريكية، وفي الأخير، نؤكد على أهمية توضيح مثل هذه المسائل الهامة عن طريق المناهج الدراسية ووسائل الإعلام، ونشر ثقافة الاحتجاج بالطرق الحضارية، مثلما فعل إخواننا المسلمون في ماليزيا والمغرب، حيث ذهبوا إلى مبنى السفارة المعنية بكل هدوء، وسلموا خطابا يفيد باعتراضهم على الفيلم، ثم غادروا المكان، لأن مثل هذه الاحتجاجات العنيفة قد تسيء إلى العلاقات بين الدول بشكل غير متوقع.
فاصلة:» عندما يكون «الجهل» هو سيد الموقف فلا يمكن أن نحصل على السلام «..دالي لاما.
ahmad.alfarraj@hotmail.comتويتر @alfarraj2