شكل يوم العاشر من سبتمبر الحالي مرحلة هامة في تاريخ جمهورية كوسوفو ذات الأغلبية الإسلامية وعمت الفرحة بين المواطنين لقرار (مجموعة التوجيه والمراقبة الدولية) بإعلانها كفاءة وقدرة كوسوفو لنيل استقلالها وسيادتها على ترابها الوطني ورحبت الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي وتركيا بهذا القرار المفصلي في تاريخ دول البلقان الإسلامية ووصف السيد هاشم ناجي رئيس وزراء كوسوفو المنتخب بأن هذا القرار الهام نجاح تاريخي وتأكيد دولي لاستقلال دولة كوسوفو.
جناح المعارضة لاستقلال هذه الدولة الحبيسة وبدون منفذ بحري مشكل من تحالف روسيا الاتحادية وصربيا التي امتدت سيطرتها الاستعمارية أكثر من نصف قرن شهد من خلالها شعب كوسوفو المسلم صنوفا قاسية من التسلط الشيوعي على مقدسات وكرامة هذا الشعب البلقاني فنهبت ثرواتها الطبيعية وهدمت مساجدها وأغلقت أمام المصلين ومارست الأقلية الصربية 6% من مجموع شعب كوسوفو أنواعا بوليسية لا إنسانية ضد الأكثرية المسلمة والتي همشت عن إدارة وحكم إقليمهم والذي كان يتمتع (اسماً) بالحكم الذاتي وأمام هذا الوضع التعسفي الصربي ضد شعب كوسوفو تحركت القوى الوطنية من شعب كوسوفو المسلم بتشكيل جيش التحرير الوطني وأعلن العصيان ضد السيطرة الصربية ونشبت حرب إبادة عرقية من قبل صربيا دامت أكثر من عامين 98 - 1999م وأثرت النداءات الإنسانية الكوسوفية فلبى حلف شمال الأطلسي (الناتو) لنجدة شعب كوسوفو وحمايتهم من تصفية جماعية من قبل القوات الصربية وغارت الطائرات المشتركة للحلف على المطارات الصربية وشلت حركتها تماماً والتي عجلت في انسحابها من الأراضي الكوسوفية وتحولت تحت إدارة الأمم المتحدة وتحت الرقابة الدولية.
وبعد أن اكتملت أسس الدولة الكوسوفية من دستور ومجلس نواب وانتخاب قيادة عامة للدولة أعلن مجلس النواب الكوسوفي بالإجماع قرار استقلال جمهورية مستقلة وبادرت أفغانستان الجريحة باعترافها كأول دولة تعلن تأييدها لقرار كوسوفو بالاستقلال ويسجل بالتقدير هذا الاعتراف الأفغاني من قبل شعب كوسوفو المسلم.
وشكل اعتراف مجموعة التوجيه والمراقبة الدولية باستقلال كوسوفو كمرحلة أولى في دخولها المجتمع الدولي وحصولها على مقعدها في هيئة الأمم المتحدة وتم اعتراف 91 دولة لحد الآن باستقلالها ويشترط ميثاق الأمم المتحدة استيفاء تأييد 97 دولة لانضمامها للهيئة الدولية ويشعر شعب كوسوفو المسلم بخيبة أمل وعتب عميق لتصويت (أربعة) دول من أعضاء الجامعة العربية باستقلالها (المملكة العربية السعودية - مملكة البحرين - الإمارات العربية المتحدة والأردن) فقط من أصل 22 دولة عضو في الجامعة ومن مجموع 57 دولة إسلامية صوت فقط 11 دولة لاستقلال الدولة البلقانية المسلمة وأنها لدعوة صادقة لأمانة الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي بتبني مبادرة عربية إسلامية لإقناع (ست) دول فقط للاعتراف بالجمهورية الكوسوفية والتي تتمتع بميزة جيوسياسية لموقعها الإستراتيجي في قلب دول البلقان وتشكيلها مع شقيقاتها (ألبانيا ومقدونيا والبوسة والهرسك) هلالاً إسلامياً في جنوب أوروبا.
وأعرب المسؤولون في كوسوفو عن امتنانهم للقيادة المخلصة في المملكة العربية السعودية وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - وسمو ولي عهده الأمين الأمير سلمان - حفظه الله - لدعم شعب كوسوفو المسلم سياسياً واقتصادياً وتأييد استقلالها الوطني من الوهلة الأولى لإعلانه.
والمعارضة الإقليمية والدولية لقرار استقلال كوسوفو انحصر في المصلحة الذاتية لتلك الدول حيث تخشى اسبانيا في اعتبار هذا الإعلان الاستقلالي من طرف واحد بتشجيع سكان إقليم الباساك الاسباني باستقلاله عن السلطة الاتحادية وكذلك قبرص تبدي حذرها من الخوف من الاعتراف الدولي بجمهورية قبرص الشمالية والتي انفصلت عنها والمعترف بها من قبل تركيا فقط! وتبدي أيضاً روسيا الاتحادية معارضتها المطلقة لاستقلال كوسوفو عن صربيا بادعاء مخالفة هذا الاستقلال لإعلان هلسنكي والقرار الأممي رقم 1244 وجاء قرار المحكمة الدولية في لاهاي مؤيداً لاستقلال كوسوفو وبين أنه لا ينتهك القانون الدولي ويبدو التخوف الروسي من استقلال كوسوفو من مطالبة الشيشان وداغستان باستقلالهما عن اتحاد روسيا وهناك روابط خاصة بين الشعبين الصربي والروسي لانتمائهما للقومية السلافية وإتباعهم للكنيسة (الأرثوذكسية الشرقية) وتلوح روسيا دوماً باستخدام حق الفيتو في مجلس الأمن لمنع تمرير قرار دولي باستقلال كوسوفو وتحاول مفوضية الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي عرض (الجزرة) لصربيا بعدم العرقلة الدولية لاستقلال كوسوفو مقابل تسهيل انضمامها للاتحاد الأوروبي والذي تسعى الإدارة الصربية لبلوغه منذ فترة طويلة!
إني لا أجد مبرراً واحداً يرفع عني حالة الحرج والخجل من معارضة العراق وسوريا وإيران وغيرهم من الدول العربية والإسلامية لقرار استقلال كوسوفو وبلوغ شعبها المسلم لحريته وكرامته ويأتي اعتراف دول بعيدة عن محيطنا الإقليمي مثل كوستاريكا وبيرو وتقع بأقصى الكرة الأرضية وتأييدها لحق شعب كوسوفو لنيله حريته واستقلاله وإنشاء جمهوريته على ترابه الوطني وكثير من الدول العربية والإسلامية لا زالت تؤيد صربيا التي ذبح جيشها أكثر من عشرة آلاف من شعب كوسوفو المسلم وسرق ثرواته الطبيعية الوطنية تعارض استقلال شعب مسلم في قلب أوروبا!
عضو هيئة الصحفيين السعوديين - جمعية الاقتصاد السعودية