يعاني المستثمرون في جُلّ أوجه نشاط القطاع الخاص تجاهلاً غير معروفة أسبابه من بعض القطاعات الحكومية المعنية، التي أوكل لها مهمة تنظيم أوجه النشاط الاستثماري على اختلاف مجالاته ومستوياته، والإشراف على تسيير وتسهيل أعماله وتنظيمها وفق الضوابط والتعليمات المعتمدة في القطاع الحكومي.
بعض أوجه الاستثمار تعاني - حسب ما يذكر المستثمرون - ممارسات أشبه ما تكون بالتسلطية الاستبدادية، لا ترى اعتباراً لرؤى المستثمرين وتطلعاتهم المستقبلية للتطوير والتجديد، وما يعترض نشاطهم من معوقات تنظيمية وإدارية، يتطلب حلها تفهم الجهة الحكومية وتدخلها؛ لأن تدخلها يسهم إيجابياً في تجاوز معوقات الاستثمار ومعالجتها بصورة تحقق الكفاءة المنشودة للقطاعين الحكومي والخاص.
إن التدخل الواعي من قِبل القطاع الحكومي يضمن مصالح المستثمر، بما لا يتعارض مع الأطر النظرية والقانونية للجهة الحكومية وتعليماتها التي يفترض أنها تضع نصب أعينها نجاحات المستثمرين وتذليل العقبات التي تعترض أوجه نشاطهم، وهذا بدوره يكفل توسيع دائرة الاستثمار؛ وبالتالي تخفيف العبء عن كاهل القطاعات الحكومية، وأخص الخدمي منها تحديداً.
ثبت أن القطاعات الحكومية عندما تتجاهل التنسيق والتشاور مع المستثمرين فيما له علاقة بأوجه نشاطهم، وعندما لا تأخذ بعين الاعتبار مرئياتهم في القضايا ذات الصلة باستثماراتهم، ثبت أن هذا يعطل المشروعات الاستثمارية، ويراكم أوجه فشلها، ويفضي إلى المزيد من تعقيد أوضاعها، وإلى تأخير فرص نجاحاتها، وإلى إطالة أمد فشلها.
ولا يخفى على من يتتبع أسباب فشل المشروعات الكبرى منها والصغرى، وهي أوضح من أن يذكر شواهد لها، أو أن يُدلل على مصداقية أسباب فشلها، لا يخفى أن مرجع ذلك يعود إلى إصرار الجهاز المعني بالتشريع والإشراف في القطاع الحكومي، الذي بيده الحل والعقد وكامل الصلاحيات، وإغفاله عن عمد أو عن عدم مبالاة اهتمام التنسيق والتشاور مع أصحاب الشأن في القطاع الخاص. المعنيون في القطاع الحكومي يتفردون في كثير من الأحيان بالرأي وإملاء الحلول، وعلى المستثمر الإذعان والسمع والطاعة، فإن لم يرض بالحل فما عليه إلا أن ـ كما يقال ـ “يطق برأسه الجدار”، في حين أن أبسط مفاهيم المنطق في العلاقة بين الشركاء الذين يحرصون على النجاح وعلى توثيق العلاقة والتواصل فيما بينهم أنهم يتشاورون فيما له علاقة مشتركة وصلة بينهم، ويتفاهمون حول أنسب الحلول والرؤى، والبحث في أفضل السبل التي تحقق الفائدة المرجوة من النشاط الاستثماري.
إن قيمة التفاهم والتشاور المسبق بين الشركاء ليست منة أو منحة، بل هي واجب مهني وأخلاقي، تحتمه مقتضيات المصالح المشتركة، والرغبة في تجاوز المعوقات وتحقيق النجاحات. النجاح لا يقتصر فضله وخيره على طرف دون آخر، بل الكل يدخل في دائرة الاستفادة، سواء كانت مادية أو معنوية، وتجارب الأمم الأخرى أثبتت بجلاء أن المستفيد الأول من نجاحات القطاع الخاص هو الأجهزة الحكومية التي تمارس النشاط نفسه؛ لأن هذا النجاح يحفز على التوجه للقطاع الخاص بدلاً من تحميل القطاع الحكومي تقديم الخدمة وتحمل أعبائها.
إن مما يثير الاستغراب أن بعض الأجهزة الحكومية تلجأ إلى فرض رؤيتها بسبب عدم قدرتها على التنسيق مع القطاع الخاص بما تطلق عليه (التنظيم)، باعتبار سَنّه والحصول على الموافقة عليه أسهل وأيسر من سَنّ النظام الذي يقتضي الإحاطة بكل الاحتمالات ومراعاة الأطراف المعنية كافة، والتنسيق والموافقة عليه من كل الجهات ذات العلاقة؛ لهذا، ومن أجل تحقيق الصالح العام، يجب التوقف عن إصدار التنظيمات واعتماد سن الأنظمة باعتبارها الأكثر نضجاً وتحقيقاً للمصالح وإحاطة بكل الاحتمالات التي تفضي إلى التعسف وفرض رؤى الطرف الواحد.