وبمناسبة اليوم الوطني سألت البعض عن أبرز أبجديات حب الوطن. سألت عن ملامح نستشف من خلالها عظمة الوطن- إنجاز الوطن..
يشير الشيخ الكبير الذي قارب عمره على التسعين إلى الماضي البعيد وماذا صنعت بنا وحدة الوطن تحت راية واحدة. كنا نعيش صراعات القبائل والقرى ونعيش الخوف من المرض والموت والفقر ومن (خراص) العثمانيين الذين يأتون كل عام لجمع ضريبة أو زكاة الماشية والزرع. جاء من وحَّدنا وبعد سنوات اكتشفنا الخير والسلام والأمان في هذه الوحدة المباركة. ويضيف الشيخ: ياولدي تمسكوا بهذه الوحدة وهذا الوطن فخيره على آبائكم وعليكم كثير وفير.
أما من تتراوح أعمارهم في الخمسينات والستينات، فيتذكرون حياتهم صغاراً. يرددون: بعضنا كان يرعى الغنم وبعضنا كان يعمل في الزراعة يساعد والده وحتى المدارس دخلناها وبعضنا كانت بالنسبة لهم الهروب من العمل الشاق مع والده. بعض آبائنا لم يكن تعليمنا المتقدم بالنسبة لهم بتلك الأهمية الكبرى طالمنا أصبحنا نجيد القراءة والكتابة وأصبحنا قادرين على الحصول على وظيفة حكومية. لقد عشنا مرحلة الفقر في صغرنا ونخشاه الآن في كبرنا ليس على أنفسنا بل على أولادنا. نريد أن نزوج أبناءنا ونؤمن لهم البيوت والسيارات والوظائف قبل ذلك. نحب الوطن الذي نقلنا من الفقر إلى الغنى، لكننا نخاف من عودة الفقر لأبنائنا. جشعنا مرده خوفنا من عودة الفقر لنا ولأبنائنا. يدعون بالتمسك بالوطن ووحدته التي أتاحت لهم التنقل والعمل والمزاملة لأطياف متنوعة من داخل البلاد وخارجها وليس فقط من مناطقهم الصغيرة.
وهناك فئة الثلاثينات والأربعينات، هؤلاء نبرتهم النقدية عالية يريدون تحقيق الإنجازات الوظيفية والمادية التي حققها من قبلهم لكن الظروف ما عادت هي ظروف ما قبل عشرين أو ثلاثين عاماً، التزاماتهم عالية والضغوط بتحقيق الأحلام والأمنيات بشكل سريع تضغط عليهم. تحول الوطن لدى بعضهم إلى وظيفة وسيارة ومنزل فحينما تحدثه عن الوطن يأتي الجواب عن احتياجاته ومطالبته للوطن بتحقيقها.. هؤلاء تحتاج جهداً أكبر معهم لتجلي لهم الفرق بين الوطن والحكومة، فتقصير الحكومة أو بعض المسؤولين في واجباتهم لا يعني النقمة على الوطن لأن الوطن أبقى وأسمى مما يقترف من قصور وتجاوزات وفساد..
وأخيراً هناك فئة ما دون الثلاثينات. هذا جيل يتشكل ومن أهم سمات تشكله تجاوزه مفهوم المقارنة بين الماضي والحاضر وبين ما قبل الوحدة وما بعدها. هذا جيل مقارناته أصبحت عولمية، يقارننا ببقية العالم وتزداد حرقته حين يجدنا دون الآخرين في جوانب عدة. هذا جيل تويتر والفيس بوك وبقية وسائل التواصل العولمية الاجتماعية. يكره الإطناب والديباجات والطقوسيات الاحتفالية. يريد فعلاً، يريد فرصة، يريد مساحة يعبر فيها ويتحرك فيها. من السهل إفهام هذا الجيل مفاهيم المواطنة بل هو يدركها من مطالعته للعالم لكنه من الصعوبة تبرير قصورنا أمامه وتبرير تأخرنا عن العالم. هذا الجيل قال عنه أحد الشباب المشاركين بحوار عكاظ، جيل يحترق على صفحات تويتر والفيس بوك والخوف كل الخوف أن ندعه يواصل الاحتراق ونحن لا مبالين به وغير قادرين على استيعاب طموحاته على أرض الواقع. هذا الجيل أصبح يشكل مجالس شورى وبرلمانات ومحاكم ووسائل إعلام افتراضية موازية وتتفوق في حالات مثيلاتها في الواقع، ومهمتنا تحقيق طموحاتهم الافتراضية على أرض الواقع..
الوطن غال على الجميع، ولا قلق ممن ينظر له مقارنة بالماضي، لكن القلق من جموح من يقارنه بالآخرين الذين يتجاوزوننا في مناح عديدة.
دمت يا وطني سامياً لا نرضى لك بديلاً...
malkhazim@hotmail.comلمتابعة الكاتب على تويتر @alkhazimm