|
الجزيرة - حسين بالحارث:
الدين لله والوطن للجميع.. مبدأ يختصر ما يريده الجميع دون استثناء أو هكذا نحسب ولكن ولأسباب ضيقة بات الوطن لدى العديد من أصحاب المخططات وطالبي الشهرة والمرضى النفسيين والجهلاء وعديمي الوعي «الحلقة الأضعف» فيما يبدو أو هكذا نرى لدى بعض المغردين في تويتر ومواقع التواصل الاجتماعي الأخرى المنتديات والمواقع الالكترونية وبعض المنابر مع الأسف، حيث اصبح كيل الاتهامات جزافا ورمي فئات اجتماعية بالعمالة للأجنبي والتشكيك في ولائها لوطنها أمر لا يكلف «البعض» سوى طباعة الأحرف على لوحة المفاتيح دون وعي رادع أو خوف من نظام يعاقب أو نتائج كارثية تتربص بالوطن.
جمل عديدة تتكرر كل يوم وكل لحظة في مقالات وتعليقات تجرح الإنسان العاقل وتنمي الكراهية بين أفراد الشعب وتسيء للوطن والمواطنة وهي على وزن:
(طرش بحر، جامي، سروري، تكفيري، رافضي، وهابي، ليبرالي، علماني كافر) أو على وزن (زوار السفارات، أو عملاء وخونة) ومن هذه العبارات التي تبث الفرقة وتثير الفتنة ويندى لها جبين المواطن العاقل والواعي بمخاطر ما يرتكبه الخونة الحقيقيون من أصحاب الأجندات السياسية والسفهاء والموتورين من عنف كلامي يهدد وحدة الوطن برغم تحذيرات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والد الجميع وقائدهم وحبيبهم في خطابات عدة منها خطابه التاريخي في مدينة بريدة حين قال حفظه الله «أصارحكم القول أنه لا يتناسب مع قواعد الشريعة الإسلامية والوحدة الوطنية وهو أن يقوم البعض بجهل أو بسوء نية بتقسيم المواطنين إلى تصنيفات ما أنزل الله بها من سلطان فهذا علماني وهذا ليبرالي وهذا منافق وهذا إسلامي متطرف وغيرها من التسميات والحقيقة أن الجميع مخلصون إن شاء الله لا نشك في عقيدة أحد حتى يثبت بالدليل القاطع ما يدعو إلى الشك».
وأضاف: «وأنني اطلب من المواطنين كافة ومن أهل العلم والصحفيين والكتاب خاصة أن يترفعوا عن هذه الممارسات وأن يتذكروا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} الحجرات11
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما)
ولم يكتفي حفظه الله بهذا التحذير، بل سبقه واعقبه بتحذيرات عدة في خطابات بالمنطقة الشرقية وفي مجلس الشورى وفي لقاء له حفظه الله مع القائمين على مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني في 28 اغسطس 2011 الموافق 28 رمضان 1432 بمكة المكرمة، حيث أكد أن الحوار يمثل أنجع الأساليب وأجداها لتحقيق الانسجام والوئام بين أبناء المجتمع وشرائحه وتوجهاته، معتبرا اختلاف الآراء وتنوع التوجهات أمرا واقعا ونتيجته طبيعية من طبائع الناس. ورأى أن أي حوار لا يلتزم بمنهج الحوار الصحيح وقواعده وآدابه يتحول إلى فوضى، محذرا من مغبة غياب الحوار أو الوقوع في فخ التصنيفات الفكرية.
وأوضح أن بوسع الجميع التعايش مع الاختلاف والتنوع؛ ولكن يصعب التعايش مع خلافات لا تنضبط بضوابطنا الشرعية والوطنية، مؤكدا ثقته الكاملة في أبناء هذا الوطن وبناته الذين يرتبطون بروابط الدين الإسلامي الحنيف، ومبادئ الوحدة الوطنية التي أرسى دعائمها الملك عبدالعزيز، وظلت هذه الدولة وفية لها، قوية بإيمانها بالله، ووحدتها الوطنية، وعزيزة بهذه الصلات المتينة التي تربطها بمواطنيها.
وفي (24 رمضان 1433) دعا حفظه الله من مكة المكرمة أيضاً إلى الابتعاد عن التصنيفات المذهبية والفكرية والمناطقية، وعن استخدام لغة التصنيف والإقصاء.
ولأن الوطن خطأ أحمرا وما بلغته الحالة جد خطيرة فقد استضافت «الجزيرة» عدة شخصيات بانتماءات مذهبية مختلفة وتيارات فكرية متعددة لمناقشة الظاهرة الخطيرة من زوايا وأبعاد تشرح وتشخص العلة وتطرح الحلول لمعالجتها بطريقة تأخذ بالحسبان مسألة ضرورة الحسم لضبط الوضع قبل استفحاله لتلافي ما ينتج عنه من مخاطر (لا سمح الله)
وطرحت (الجزيرة) أسئلة عامة للجميع والبداية عن وصفهم لما تشهده مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات وبعض المجالس والمنابر من اساءات بالغة بين السعوديين على أسس طائفية وفكرية ومناطقية فكانت ردودهم كالتالي:
تصرفات خاطئة
الدكتور عبدالإله العرفج: هذه تصرفات سلبية وخطيرة للغاية, وأعتقد أن هذه النزعة السلبية تتناسب عكسيا مع مستوى ثقافة الحقوق والحرية والمدنية والمشاركة المجتمعية المؤسساتية, فكلما ارتفع مستوى هذه الثقافة انخفضت نزعة التصنيف, والعكس بالعكس, ولا أظن أن فترة من التاريخ - باستثناء فترة النبوة والخلافة الراشدة - خلت من نزعة التصنيف سواء على المستوى الطائفي أو الفكري أو المناطقي أو المذهبي, إلا أن هذه النزعة كانت كموج البحر, تجزر أحيانا وتمد أحيانا أخرى, ومنذ عقود ماضية كانت هذه النزعة في حالة جزر إلى حد ما, أما في هذه الأيام فأعتقد أنها في حالة مد متصاعد.
الشيخ أحمد البوعلي: لا يختلف اثنان في أن أخطر النزاعات والصراعات هي تلك القائمة على أساس مذهبي أو طائفي حتى من أبناء تلك المذاهب نفسها إن الخلافات المذهبية والطائفية هي من أبرز أسباب التمزق والتشتت والتشظي فليس هناك من سبب يفعل فعله في جسد الأمة الإسلامية كما تفعله المذهبية المقيتة والطائفية خاصة عندما تجد المحفزات والإثارات اللازمة حتى تتحول من صراع خفي وسلمي إلى صراع دموي وحينها تختلط الأوراق بشكل مفزع فالكل يدعي وصلا بليلى وأنه الحق وغيره باطل ولا يجد حرجاً في إثبات ذلك بكل ماعنده من قوة مادية وعسكرية وفكرية وسرعان ما يستخدم هذا الوتر العدو كأسهل وسيلة لتشتيت الجمع وتفريق وحدة الصف تحت مبررات طائفية ولعل ما يحدث في بعض البلدان الإسلامية والعربية دليل واقعي على ذلك.
الدكتور محمد الهرفي: أتفق مع سؤالك على ان كل وسائل الاتصال بدأت في الآونة الأخيرة تنشر كثيرا من أساليب الإساءة للأطراف التي لا تتفق معها في المذهب أو الفكر أو الثقافة بشكل عام. فالسنة والشيعة يمارسون هذا النوع من الاساءة ببث الاكاذيب التي يخترعها كل طرف عن الطرف الآخر فهذا يدعي ان العالم الفلاني الذي ينتمي لهذه الطائفة يقول كذا وكذا مما يصعب تصديقه ويجعل قائله أضحوكة عن الطرف الآخر ثم يرد الطرف الآخر بأشياء مشابهة وربما أكثر وهكذا نجد ان هذا العمل يوسع دائرة الخلاف والشقاق وينهك تماسك المجتمع وصلابته..
كما قلت فإن ما يحدث بين اتباع المذاهب يحدث مثله وان كان بطرق اخرى بين المختلفين فكريا وهذا يوسع الهوة بين المثقفين ويؤثر على كل الاطراف وكنت وما زلت اتمنى ان تقل هذه المساوئ في مجتمعنا ولكني اعرف ان الاماني لا تكفي وحدها وانما تحتاج إلى عمل جاد من المجتمع كله..
ثوابت وطنية
الدكتور صادق الجبران: الاختلاف بين البشر طبيعة من القدم وتعود لأسباب كثيرة؛ منها الموروثات التي يتلقاها بنو البشر، واختلاف المصالح المادية والمعنوية، واختلاف المزاج والنظرة إلى الأشياء، ولعل أهم سبب للاختلاف هو اختلاف مصادر التلقي بينهم. وكل هذه الأمور تتفهمها المجتمعات الحديثة وتتعايش معها بل وتجعل منها مصدر إثراء للتجربة البشرية.
وعلى أن فئات هذه المجتمعات كل يعتقد أن أفكاره هي الصحيحة ويعلم أنه يختلف مع الآخرين في نظرته ورؤيته ودينه ومذهبه، إلا أن نظرتها إلى هذه الاختلافات نظرة إيجابية تنطلق من أهمية التنوع ودوره في إثراء المعرفة والتجربة الإنسانية. لأنها تعيش في ظل سيادة القانون وتكافؤ الفرص بينهم وعدم التمييز بينهم لأي من هذه الأسباب. ولأن القانون ينظم آليات واضحة لإدارة الاختلافات فيما بينها، هناك لديهم ثوابت وطنية لا يجوز الاختلاف عليها.
الكاتب محمد الحرز: الحالة طبيعية، ما يجري على مواقع التواصل الاجتماعي لم تتغير الصورة تاريخيا.. العنف الطائفي لم تتح له فرصة الانتشار كما له في العصر الحاضر. ما تغير هو ان التطور في عالم الاتصالات منح هذا العنف الطائفي ان يخرج إلى العلن بكل العلاقات الثقافية لذلك هذا الانتشار عبر هذه المواقع لن تؤد سوى إلى استنزاف هذا العنف إلى حدوده القصوى وهذه ربما إحدى الميزات التي سوف تنبه عقلاء الوطن ان ينتبهوا إلى خطورة الوضع ليقيموا بمبادرات يمكنها ان تحد من هذا السلوك مستقبلاً.
الاعتراف بالمشكلة
علي حسن المستنير: بلا شك هذه تصرفات شائنه في حق الوطن واعتقد ان أسبابها نتيجة الاصطفافات الطائفية والتي تلعب السياسة دور مهم في تغذيتها كما ان عدم وجود قانون وطني يجرم الفاعلين وعلى المسؤولين أن يتحركوا للحد من انتشار هذه الإساءات.
الشيخ عادل بوخمسين: هذه التصرفات تدلل على وجود مشكلة حقيقية يجب الاعتراف بها ومن ثم معالجتها وهذه المشكلة ذات أبعاد عديدة.
الدكتورة أمل الطعيمي: من المؤسف جداً أن يصل بنا الحال في المملكة العربية السعودية إلى ما وصلنا إليه في حوارنا.
الملك يدعو للحوار
الجزيرة: عبر الملك عبدالله في أكثر من «رسالة» وفي أكثر من مناسبة عن رفضه تقسيم المواطنين إلى تصنيفات معتبرا ذلك مهددا للوحدة الوطنية داعيا إلى الحوار وفق الضوابط الشرعية رغم ذلك لا يزال هناك من يردد الاتهامات والتنابز البعيد عن الحوار العقلاني: فما هو موقفكم من ذلك؟
الشيخ أحمد البوعلي: حرص خادم الحرمين الشريفين على شعبه واضح وكلماته التي اطلقها نابعة من قلب أبوي يعي حاضر البلاد ومستقبل أمته وسؤالي هل نحن في هذا البلد في حاجة ملحة للتصنيف والتقسيم؟ هذا السؤال طالما دار في خلدي وأنا أقرأ منذ مدة ليست بالقصيرة بعض موضوعات ومناقشات بعض ابناء الوطن الاعزاء في مجالسهم أو منتدياتهم، والله إن قلبي لينفطر ويحزن وأنا أرى التراشق بينهم بالعبارات حتى قد يصل الأمر للسباب.. واتهام للنيات والمقاصد.. فمن ثبتت خيانته وعمالته فشرع الله ينفذ فيه وأما مجرد إشاعة فهي أخطبوط مسرحها العقول.
الدكتور عبدالإله العرفج: أعتقد أن خادم الحرمين الشريفين حفظه الله شخص المشكلة بامتياز وعالجها بكفاءة, فهذه الاتهامات خطيرة للغاية, وتؤدي إلى اتهام الأبرياء في عقائدهم ووطنيتهم, وهي خطوط حمراء كما ذكر خادم الحرمين الشريفين, فاتهام الناس في عقائدهم يؤدي إلى تجرؤ الناس على أعراضهم, واتهامهم في وطنيتهم يؤدي إلى تجرؤ الناس على تخوينهم, وأعتقد أن كل من اتهم الآخرين بهذه الاتهامات الشنيعة فقد ارتكب مجازفة خطيرة, ولو علم أنه سيقف أمام قاض يسأله عن أدلته وبراهينه لتوقف عن كيل الاتهامات, فكيف إذا سأله الله عن اتهامه الناس في أديانهم وعقائدهم, ولكن للأسف الشديد, فبعض الناس لم يردعهم الخوف من الله, ولم يتقيدوا بطاعة ولي الأمر في وجوب الابتعاد عن إثارة الفتن الطائفية والمذهبية والمناطقية, وقديما قيل: من أمن العقوبة أساء الأدب.
الدكتور محمد الهرفي: الملك - حفظه الله - تحدث أكثر من مرة عن خطورة تصنيف المواطنين لأن هذا التصنيف يضعف اللحمة الوطنية كما أكد أكثر من مرة على احترام الشريعة وموقفه الواضح يجعل مسؤولية كل مواطن ان يعمل من أجل تحقيق هذه الفكرة لكي تتحقق واقعا في حياة كل فرد ولكي نصل إلى هذا المستوى نحتاج لوقوف كل وسائل الإعلام والتعليم من أجل تحقيقها وترسيخها في عقول كل أفراد المجتمع وعندها سيتحقق المراد منها.
أمر مرفوض
الدكتور صادق الجبران: تصنيف الناس بقصد الازدراء وانتقاص الحقوق أمر مرفوض، لأن وجود التنوع في المجتمعات ظاهرة صحية وطبيعية، والتسميات المختلفة للدلالة عليها. لكن أن تطلق على من يختلف معك في الرأي أو التوجه أو المذهب أو القبيلة اسما لم يقبله لنفسه فهذا أمر مشين وهو تنابز بالألقاب منهي عنه بالنص القرآني الصريح وقد أسماه رب العزة والجلال فسوق {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ} الحجرات11 والأخطر من ذلك توزيع تهمة الخيانة والعمالة وامتلاك الأجندات الخارجية للذي نختلف معه، فهذا مما يؤذن بصراع اجتماعي بدايته الكلام ونهايته - لا سمح الله - التطاحن إذا لم يتصدى العقلاء من كل التوجهات لمقاومته وعدم السماح بسيطرته على فضائنا الاجتماعي والإعلامي والمعرفي.
إن تبني رأس الدولة لرؤية واضحة حول هذه المسألة يجعلنا نتفاءل بأن يتم تعميم هذه الأفكار والرؤى إلى كافة المستويات الرسمية والشعبية من كافة التوجهات، ومن الأهمية بمكان أن يتبنى الخطاب الإعلامي والديني هذه الرؤية وأن نطوي تلك الصفحة التي أخرت مسيرة بلادنا وأشغلتنا عن الالتفات إلى البناء والتطوير الحقيقي لها بالاهتمام بالقيم الإنسانية والمفاهيم العالية التي تستبطنها كافة المذاهب الإسلامية.
ردم الفجوة
الكاتب محمد الحرز: بلا شك خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله عندما يطرح مفهوم المواطنة وحق المواطن فهذا أشبه بما يكون قانونا يجري مجرى التنفيذ لكن للأسف هناك مفارقة كبرى ما يتم الاقتناع به على مستوى الفكر والتنظيم الإداري يجري مخالفته على مستوى الواقع والتجربة. كيف يمكن ردم هذه الفجوة؟ وفي تصوري لابد من وضع قوانين صارمة تطبق على مستوى المؤسسات للدولة، وهذا يحتاج إلى وضع الخطط والبرامج كي يزداد الوعي اجتماعيا لهذه المسألة بصورة صحيحة.
لابد من قانون
علي حسن المستنير: نعم لقد دعا خادم الحرمين مرات عديده أبناء الشعب السعودي للابتعاد عن التصنيفات المضرة بالوحدة الوطنية ولكن هناك فئات سعودية متطرفة لن تستجيب ولن تتوقف ما لم يكون هناك قانون يتضمن عقاب رادع يجرم هذه الفئه و يؤكد على المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات بغض النظر عن الطائفة أو القبيلة أو الاقليم أو المذهب فمن أمن العقاب أساء الأدب..
لم يعد خافياً
الدكتورة أمل الطعيمي: مع الأسف فقد أفضى بنا التنابز والتصنيف إلى صراع فقد قدرته على التخفي كما كان سابقاً وبدأ يظهر قوة واضحة متكئاً على الإيهام بأنه صوت الحق الذي يغفر له قلة تهذيبه وسلطوية طرحة التي بثت الخوف بيننا من بعضنا بعضاً بالحقيقة مرة وبالإشاعات مرات، كل هذا في وقت كان فيه خادم الحرمين الشريفين لا يألوا جهداً في طرح الأفكار التي من شأنها أن تقربنا ولا تفرقنا والتي من شأنها أيضاً ان تجعل بلادنا منارة تضيء للآخرين حتى لا ينزلقوا على مهالك التصنيف بدءاً من حوارنا الوطني الداخلي الذي مد جسوره للخارج مع الأديان الأخرى وليس الطوائف الإسلامية فحسب.
الشيخ عادل بوخمسين: إن خطاب خادم الحرمين يفترض أن يتحول إلى مشروع وطني وعملي ويكون جزء من إستراتيجية الدولة وهو تعزيز الحالة الوطنية والوقوف عملياً أمام كل من يساهم في تمزيق الوحدة الوطنية ويجب أن لايكون هذا الخطاب شعاراً مرحلياً وإنما مشروعاً وطنياً هاماً تسخر له كامل أجهزة الدولة بكل إمكانياتها حينها سنجد نتائج هذا الخطاب على أرض الواقع وسيكون حينها إشعاعا في هذه الأمة.
مأزق طائفي
الجزيرة: لاحظ كاتب صحيفة الجزيرة الدكتور جاسر الحربش ظاهرة الإسفاف الخطير في مهاترات مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الانترنت محذرا من خطورة الظاهرة بقوله (الإقذاع المتبادل بين السفهاء من أتباع المذاهب الإسلامية على شبكات التواصل الإلكتروني وصل إلى درجة القرف المنذر بمأساة نهائية للجميع). ما مدى اتفاقكم مع الكاتب؟ والى أي طريق مسدود يؤدي هذا المأزق الطائفي؟
الدكتور عبدالإله العرفج: أتفق معه تماما, وخصوصا أنه قيد هذه المهاترات بالسفهاء, ففي كل مذهب وتيار عقلاء وسفهاء, عقلاء يبنون, وسفهاء يهدمون, وهذا ليس خاصا بالتيارات الإسلامية فقط, فهذه الظاهرة أوسع من ذلك, وأظن أن زمننا هذا يمثل مظهرا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة نفسك ودع العوام», وأعتقد أن التأخر في إجراء حوار حقيقي لمعالجة هذه الظاهرة الخطيرة سوف يزيد المشكلة تأزيما, وقد يكون من الصعب حلها لاحقا إلا بعد تضحيات كبيرة.
ظاهرة مؤسفة
الدكتور محمد الهرفي: اتفق مع الدكتور جاسر الحربش وقد لاحظت ذلك وهذه ظاهرة مؤسفة لان الاختلاف حق ولكن طريقة التعبير عن هذا الاختلاف يجب ان تتم بطريقة حضارية راقية تحقق فكرة الحوار والهدف منه.. إن الاسفاف يزيد من حدة الاختلاف، ويؤدي في نهاية المطاف إلى صعوبة الوصول إلى نقطة اتفاق من اتباع المذهبين.. السني والشيعي، بل انه يجعل التعايش في غاية الصعوبة، وهذا ينذر بخطر حقيقي على بنية المجتمع يجب ان نبتعد عنه بكل ما نملك.
أمر ممكن
الدكتور صادق الجبران: على الرغم من خطورة هذه الظاهرة على شبابنا ومجتمعاتنا إلا أن السيطرة عليها والحد من غلوائها أمر ممكن، وهو بيد علماء الدين من كافة المذاهب الإسلامية، فإذا أراد علماء الدين وبصورة جادة محاربة هذه الظاهرة والحد منها فإن الأمر يتطلب موقفا صادقا وشفافا في توجيه ساحتهم وقواعدهم الاجتماعية بالكف عن هذه المهاترات وتحريمها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن سن القوانين والأنظمة التي تجرم الكراهية والحض عليها واعتبار ذلك جريمة يعاقب عليها القانون للجميع فإنها هذه الظاهرة ستختفي ودون رجعة.
مسائل حساسة
الكاتب محمد الحرز: المسألة الطائفية من أهم المسائل الحساسة في تاريخنا الاسلامي. فهي معقدة ومقاربتها تحتاج إلى وعي متفرد بعيدا عن تشنجات ومماحكات التاريخ. هذا الشرط للاسف اذا لم يؤخذ بعين الاعتبار من الجميع فان النقاش حول هذه المسألة تفضي إلى مزيد من سوء الفهم وعدم التعايش وهذا مالم تحمد عقباه على مستوى النسيج الاجتماعي والعلاقات الثقافية. ومع الاسف لا يوجد لدينا ما يشي إلى مؤشرات بهذا الاتجاه لان المسألة الطائفية أكبر من كونها مسألة يمكن مناقشتها بكل سهولة ويسر.
علي حسن المستنير: اتفق مع الكاتب في ما ذكر وخطورة هذه الظاهرة كبيره على وحده الوطن ولنا في ذلك امثله كثيرة في بعض الدول المجاورة التي اصبحت على وشك التفكك والانقسام إلى دويلات صغيره نتيجة للشحن الطائفي والعرقي والقبلي والمناطقي. وفي الجهة المقابلة نجد ان الدول التي حافظت على بقائها متحدة لمئات السنين هي تلك الدول التي سنت قوانين المواطنة المتساوية المناهضة للتمييز بجميع اشكاله بين مواطنيها.
قبل فوات الأوان
الشيخ عادل بوخمسين: مقولة الدكتور جاسر الحربش قيمة وعلى مثقفينا وإعلاميينا وعلمائنا أن يدقوا أجراس الخطر وينبهوا إلى عواقب الامور، يقول الشاعر إن الحرب أولها كلام، ولا شك أن هذا النوع من الاسفاف والاتهام يزرع بذور الشر وبذور الفتنة، والفتنة حينما تشب وتندلع لا يمكن للعقلاء حينها أن يطفئوها لان الوقت يكون قد فات؛ لهذا علينا أن نتدارك الأمر من الآن قبل أن نقول ولات حين مناص.
الأسباب
الجزيرة: ما هي أسباب ظاهرة هذه التصنيفات والاتهامات بين أفراد المجتمع السعودي في نظركم؟
الدكتور عبدالإله العرفج: الاختلاف بين الناس سنة إلهية كما قال تعالى: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ{118} إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}, وهذا الخلاف إما أن يكون مقبولا سائغا وجيها, وإما أن يكون مرفوضا شاذا ضعيفا, فالأول ينبغي تجاوزه واحترام وجهات النظر المختلفة بشأنه, والثاني يمكن مناقشته بعيدا عن التشنج والاستخفاف, وإذا لم تصل الأطراف المتحاورة إلى نتيجة فلتسعها سنة النبي صلى الله عليه وسلم عندما أسس وثيقة التعايش الوطني في المدينة المنورة مهما اختلف الدين بقوله: «وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم, مواليهم وأنفسهم، إلا من ظلم وأثم, فإنه لا يوتغ - أي يهلك - إلا نفسه وأهل بيته, وإن ليهود بني النجار وبني الحارث وبني ساعدة وبني جشم وبني الأوس وبني ثعلبة وجفنة وبني الشطيبة مثل ما ليهود بني عوف», ولكن المشكلة أن بعض المختلفين لا يحتملون النوع الأول من الخلاف, فكيف بالنوع الثاني, بمعنى أنهم ينظرون إلى الخلاف السائغ على أنه خلاف مرفوض, والسبب قد يرجع إلى إعجابه برأيه أو إلى عدم تفهمه لطبيعة الخلاف أو لأنه يخالف الراجح لديه أو يخالف موروث مدرسته, فهو بهذه النظرة يرفع الظني إلى درجة القطعي, والموروث إلى درجة المقدس.
قبول الاختلاف
الدكتور محمد الهرفي: تعود ظاهرة التصنيفات بصورتها السيئة إلى جهل بعض الافراد بان الاختلاف هو الاصل وهذه سنة الله في خلقه، لانه خلق الناس مختلفين في ألوانهم واشكالهم واديانهم وغير ذلك من الاشياء، فهذه الظاهرة ستبقى، ومن هنا يجب الا نتوقع ان الناس جميعا سيكونون مثل بعضهم، ولهذا يجب ان نقبل بالاختلاف ويكون لكل أحد الحق في التعبير عن موقفه، ولكن بشرط عدم الاساءة للآخرين..
الدكتور صادق الجبران: التصنيف ظاهرة طبيعية بل هي من متلازمات المجتمع الحديث، لكن التعدي في التصنيف واستعماله للسب والشتم، أو الإخراج من الدين والملة فهذا المرفوض والذي يجب أن يجرم أما لجهة الأسباب فهي:
الجهل بالآخر فالناس أعداء ما جهلوا، والأخطر من ذلك شيطنته وتكوين صورة نمطية عنه وإقناع النفس بها وترويجها لإقناع الآخرين بها، في حين أن الصحيح بأن يعرف كل توجه مذهبي أو معرفي عن نفسه ويختار العبارات الدالة عليه والتي يلتزم الآخرون بإطلاقها عليه.
ومن أسباب ذلك عدم وجود عادات وتقاليد تقبل الآخر في أغلب مناطق المملكة باستثناء مناطق محدودة كالأحساء حيث ضربت أروع صور التعايش بين أبناء المذاهب الإسلامية ضمن وجود طبيعي لأتباع هذه المذاهب من أبناء الأحساء فتجد فيها أتباع المذهب الجعفري، وأتباع المذاهب الأربعة الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي في تعايش بديع خلفه الآباء للأبناء وسهر العلماء على صيانته من محاولة الإطاحة بهذه الصورة الجميلة.
علي حسن المستنير: الأسباب لهذه المهاترات في الظاهر دينية اما باطنها فهو سياسي تحركه اطراف مستفيدة من بقاء الصراع والتناحر بين مكونات هذا الوطن الذي عرف بتنوعه وتعدديته المذهبية والقبلية والإقليمية، والدليل على ذلك اننا لم نكن في السابق نسمع بمثل هذه الظواهر في بداية تأسيس الدولة السعودية الثالثة على يدي الملك عبد العزيز والرجال الذين وقفوا معه من مختلف مناطق المملكة. بل ان بعض المناطق مثل نجران في اقصى الجنوب والأحساء والمدينة المنورة والحجاز انظمت ولبت دعوة الوحدة مع هذا الكيان العظيم بالرغم من وجود الاختلاف المذهبي مع المناطق الاخرى، وهذا يدل على ان هذه الظواهر لم تنشا الا فيما بعد، نتيجة للفكر السياسي المغلف بالدين الذي يسعى إلى السلطة من قبل بعض الفئات.
أمر طبيعي
الشيخ عادل بوخمسين: علينا أن نقر أن الاختلافات بين البشر سواء على مستوى أفراد أم على مستوى جماعات هو أمر طبيعي والمهم هو كيف نتعامل مع هذا الاختلاف وهنا يرد الاشكال لاننا للأسف نجد البعض لايقبل أن يكون هناك رأي آخر مقابل رأيه أو مذهب آخر أو فكر آخر وأسباب هذا عديدة.
وجهات نظر
الجزيرة: يرى البعض ان هذا مجرد اختلاف في وجهات النظر ويعد ذلك ضمن الحراك الثقافي والفكري فهل يجوز مثل هذا التوصيف؟
الكاتب محمد الحرز: هناك هشاشة في التفكير والثقافة. والمقصود بهذه الهشاشة هي ضعف في الرؤية على مستوى النظر والتجربة. لايوجد هناك استراتيجيات للثقافة يمكنها ان تكون رادعا للانزلاق في متاهات الطائفية وثقافة المواطنة هي صورة الرادع الذي لم تتأسس بعد عندنا. هذه الثقافة هي وحدها اذا ما تشكلت سوف تكون هوية وطنية يشترك في صنعها الجميع.
الدكتور صادق الجبران: إذا خلى من التعدي على الغير واعتمد حرية التعبير بضوابطها القانونية فهذا حراك ثقافي، أما أن توزع فيه التهم والسباب والشتائم فهذا لا يمت إلى الثقافة بصلة بل هو اعتداء وجريمة في حق الثقافة والغير كلك.
على المدى البعيد
الجزيرة: ألا يثير مثل هذا الخطاب مخاوف المواطنين باعتقادكم؟ وعلى ضوء ذلك ألا ترون أن هذا الأمر سوف يفرز اصطفافات حادة إلى جانب الطائفة أو المنطقة أو التيار الفكري؟
الدكتور عبدالإله العرفج: بلا شك أن ظاهرة التصنيف والاتهام والهجوم ظاهرة مخيفة لمن يرى أبعادها وغاياتها ونتائجها الوخيمة, ربما لا يكون لها نتائج قريبة المدى, لكن على المدى البعيد فإن نتائجها أشواك, وأخشى أن يشاك بها المجتمع والوطن بأسره, ولا تقتصر على مثيريها وأطرافها, وأعتقد أن التمادي في حلها سوف يعزز آثارها ويرسخ جذورها, فربما تستعصي على الحل لاحقا, وربما ستؤدي إلى مزيد من التشظي والتفتت والانقسام مع شعور الجميع بالغبن والهضم.
الشيخ عادل بوخمسين: إن الاتهام والتخوين والتصادم العنيف لاشك أنه يهدد الوحدة الوطنية وللاسف الشديد نحن نعاني من هذا الاشكال الان وإن كان بشكل متفاوت بين منطقة وأخرى وفكر وآخر نحن نجد أن الوحدة الوطنية اليوم مهددة وبحاجة إلى تقوية وهذا التصنيف والتخوين يدعو الكثير إلى الاحتماء بجماعاتهم ومناطقهم ومذاهبهم وقبائلهم وهنا تغيب سلطة الدولة تدريجياً في خضم هذا.
الدكتورة أمل الطعيمي: ان من يتتبع سيرة بعض الشخصيات العامة المؤثرة يرى بوضوح كيف تقلبت أحوالهم وكيف نجحوا في جمع القلوب دون العقول عندما بسّطوا الأمور التي كانوا هم أول من شدد فيها وبها سابقاً وأرخوا حبال التسامح ليحظوا بالقبول وقد نجحوا في ذلك مع كثير من السذج الذين يأخذهم التيار ويردهم دون أي تدخل منهم فهم يسيرون وفق ما قاله فلان ويتوقفون عندما يطلب ذلك منهم ومن تلك الشخصيات من أخذ طريق التشدد واستقطاب الآخرين بإيحاءات تحوم حول الشرف والورع واجتناب الرجس حتى صار كل ما يخالف هواهم هو رجس من عمل الشيطان.
التخوين
الكاتب محمد الحرز: لاشك ان الحوار الطائفي يختلف تماما عن التخوين الطائفي الذي يحدث على الساحة الآن. الأول من أهم سماته عدم التشنج في الحوار وعدم القذف والسب والغاء الآخر. هو حوار يقوم على الاحترام والتقدير مهما اختلف الواحد عن الآخر في العقيدة أو العرق أو في القومية بينما العكس هو ما يحدث على مستوى التلاسن الطائفي وهو للأسف ما يجري حاليا.
لقد سبق وتحدثنا عن افرازات العنف الطائفي وما يتبع ذلك من مخاوف. ان العنف الطائفي سوف يبقى على مستوى العنف الكلامي اذا ما تم تداركه واحتوائه من جميع الاطراف لكن سيتحول هذا العنف إلى المستوى الجسدي اذا لم يتم احتوائه. فالمخاوف على هذا المستوى مشروع بكل تأكيد خصوصا ان توظيف هذا العنف سياسيا يفضي إلى تفكيك لحمة المجتمع وعنصر الامان سوف ينتهي بمجرد ما يأخذ هذا التوظيف مداه وهذا للاسف ما نراه على الساحة العربية.
تنمية الكراهية
الجزيرة: في حال استمرار هذه الظاهرة التي تنمي الكراهية بين المواطنين ألا ترون أنها قد تنتقل إلى أطوار خطيرة على الوحدة الوطنية وتنعكس على مصالح المواطن؟
الدكتور عبدالإله العرفج: هذا أمر أكيد, إذا تنامت هذه الظاهرة فأخشى أن تكون ككرة الثلج المتدحرجة, تبدأ صغيرة, ولكنها ما تلبث أن تكون جبلا زاحفا وسيلا عارما, فيصعب إيقافه أو الحد من آثاره, وأول آثارها ضعف الولاء للوطن, والتطلع خارج الحدود للمطالبة بالحقوق والشعور بالأمن, ولا تنس أن لوطننا أعداء يتربصون به الدوائر, وينفخون في نار هذه الظاهرة, محاولين أن ينفذوا منها إلى قلعة وطننا, فيهدمونها من الداخل.
لننظر من حولنا
الدكتور صادق الجبران: السعيد من اتعض بتجارب غيره، هل ننتظر إلى أن يصل وطننا إلى ما وصلت إليه الدول المتناحرة مذهبياً ومناطقياً، والتي نراها تقترب من حدود بلادنا. إن من يفتعل هذه الصراعات ومن يصدر فتاوى التكفير، ومن يقصي أي مكون من مكونات مجتمعنا من ممارسة دوره في بناء هذا الوطن تحت أي لافتة كانت دينية أو مذهبية أو مناطقية أو فكرية فإنه يختطف الوطن إلى المجهول، وإلى منعطفات خطيرة قد اكتوت بنارها الكثير من البلدان. ولا يخفى على ذي لب أن الحروب أولها الكلام والتعبئة والكلام والتعبئة المضادة.
الدكتور محمد الهرفي: ظاهرة الاختلاف لاشيء فيها، لكن ظاهرة العنصرية والاستعلاء على الآخرين هي السيئة وهي التي تحدث الكراهية.
الكاتب محمد الحرز: الوحدة الوطنية هي نتاج سيرورة ثقافية كانت ولا زالت الدولة هي التي ترعاها بصورة أو بأخرى وهي مشروع لصنع هوية من أهم وظائفها القدرة على حماية النسيج الاجتماعي مهما تعرض المجتمع لهزات فهو محمي بهذه الهوية من دون ادنى شك.
مفارقة
الجزيرة: نعيش اليوم مفارقة بين توصيات الحوار الوطني وما قام به من دور لتقريب وجهات النظر بين فئات المجتمع الثقافية وبين ما يجري على الساحة من تنازع فكري وطائفي ومناطقي.. فما تعليقكم على ذلك؟
الدكتور عبدالإله العرفج: أعتقد أن مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني يقوم بدور جيد, وأعتقد أن ملتقياته تنتهي بتوصيات جيدة, تمثل خلاصة فكرية جوهرية, ويبقى دور صاحب القرار في إصدار قرارات تنفيذية وتوجيهها للوزارات ذات الاختصاص, حتى يشعر المجتمع بجميع فئاته وأطيافه بدور المركز في تفعيل الحوار الحقيقي وإيصال الصوت المطالب بالحقوق المشروعة.
الكاتب محمد الحرز: طبعا المفارقة المقصودة في السؤال ليست سوى احدى أهم المشاكل التي نعيشها على مستوى التجربة والواقع. دائما الواقع وتجاربه متقدمة وبشكل كبير على النظر والتفكير. قد يبدو هذا امراً طبيعياً في الدراسات الاجتماعية والثقافية للمجتمعات المتقدمة. ولكن أن يكون الفرق شاسعاً بحيث لايمكن ردمه لصعوبة الفجوة فان الأزمة تتطلب منا البحث عن الأسباب الحقيقية التي جعلت هذه الفجوة تتسع اجتماعياً وثقافياً ودينياً.
خط أحمر
الجزيرة: كيف يمكن السيطرة على هذا الانفلات؟ وكيف يمكننا إفساح المجال للاختلاف بحيث يبقى الوطن خطا أحمرا؟
علي حسن المستنير: باعتقادي انه لا يمكن السيطرة على هذا الانفلات الا بوجود قانون يجرم ويعاقب كل من يمارس بقول أو عمل ما يمس جوهر الوحدة الوطنية ويبث وينمي الكراهية بين فئات الوطن المختلفة.
الدكتورة أمل الطعيمي: لقد صار من الواضح اليوم أن هناك من يهمهم تداعي أركان هذا الوطن الغالي (لا حقق الله لهم مرادهم) وهؤلاء ليسوا من الخارج فقط ولكن للأسف ومن الداخل أيضاً وذلك بلباس التقى والورع والتركيز على عقول البسطاء. وفي ظل كل ذلك التسابق المحموم بالباطل من أجل السلطة الحلم صار لزاماً أن نطالب بقانون يتناسب وحجم الجرائم الكلامية التي تبث سمومها في جسد هذا البلد الآمن الذي ولد في حضن الشريعة السمحة التي يريد البعض أن يجعل لها وجهاً متجهماً.
ثوابت وطنية
الدكتور صادق الجبران: يجب أن تكون هناك ثوابت وطنية يشترك الجميع في صياغتها ومعرفة مداها وحدودها وفي طليعة الثوابت الوطنية الوطن واعتباره وطن نهائي يشترك فيه جميع مكونات الوطن في مواطنة كاملة يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات.
الدكتور محمد الهرفي: كما سبق وقلت.. الاختلاف سيبقى, وهو حق لكل أحد، لكن الذي يجب ان نسعى إليه هو الحد من ظاهرة الاسفاف في النقد، وهذا لن يتحقق الا عبر وسائل الاعلام والتعليم ودور العبادة وسواها.. والهدف ان نحقق وعيا يقول.. الاختلاف ظاهرة انسانية عرفها العالم كله، ولكن الحوار حق آخر متاح للكل.. ولكن بضوابط دينية وعقلانية.. بدون ذلك اعتقد ان الأمور ستسير إلى الاسوأ.
قانون التجريم
الشيخ عادل بوخمسين: مركز حوار المذاهب لاشك أنه سيضيف شيئاً جديداً وسيدعم دعاة الحوار ودعاة التعايش المذهبي ونحن نعول عليه الكثير بأن يكون مؤسسة لها تأثيرها العملي في نواحي عديدة منها تجريم من يتجاوز الوحدة الوطنية وتجريم من يعتدي على مقدسات ورموز المذاهب الأخرى في كل وسائل الاعلام ويجسد التنوع المذهبي والفكري والمناطقي في كل أجهزة الدولة لتكون الدولة مثالاً واضحاً لشعبها ويكون هذا التنوع في كل وسائل إعلام الدولة وفي مؤسساتها الدينية والثقافية والتعليمية والإعلامية.
وقانون تجريم من يمس بالمقدسات والرموز لكل الفئات تأخر كثيراً والدولة مسؤولة عن حماية مواطنيها اياً كانت مذاهبهم وتوجهاتهم الفكرية نأمل أن يقوم مركز حوار المذاهب بإعداد تشريع قانوني تتبناه الدولة وتطبقه عملياً كما نأمل أن نجد في هذا المركز نموذجاً عملياً يمثل أطياف الوطن ومذاهبه.
الدكتور عبدالإله العرفج: الهجوم على الناس والطوائف والمذاهب هو نوع من التعدي على الآمنين, وإذا كان هناك نظام جزائي واضح للتعدي على النفس والعرض والمال, فأرى أن يكون هناك نظام جزائي واضح بشأن التعدي على كرامة الناس ومواطنتهم وآرائهم وأفكارهم, وأرى أن يطبق بكل جدية, فإذا لم يكن عند بعض المتراشقين أخلاق تحجزهم عن تصنيف الآخرين واتهامهم فليحجزهم عن ذلك نظام جزائي واضح, ثم إن خلق التعامل مع المخالفين في الرأي والفكر والعقيدة يجب أن يكون ثقافة مجتمعية متجسدة في الواقع, ويمكن أن تقوم المؤسسات التربوية والإعلامية بدور كبير في ترسيخ هذه الثقافة.
مركز حوار المذاهب
الجزيرة: مركز حوار المذاهب الذي أعلن تأسيسه خادم الحرمين الشريفين مؤخرا.. هل ترون أنه قد يخفف من غلواء التراشق المذهبي على الصعيد الداخلي في المملكة؟
الدكتور عبدالإله العرفج: نعم, أعتقد أن المركز الذي دعا إليه خادم الحرمين الشريفين في مؤتمر قمة التضامن في مكة المكرمة قد يساعد على تخفيف غلواء هذه الظاهرة بشرط أن يكون حوار الأطراف جادا, لا شكليات ومجاملات فقط, وأن لا يقتصر تمثيل أهل السنة على المذهب السلفي فقط, بل يجب أن يمثل المركز جميع أطياف أهل السنة والجماعة, فليس خافيا أن الوطن يضم في جنباته المذاهب العقدية السنية كالمذهب الأشعري والماتريدي, والمذاهب الفقهية الأربعة أيضا, وقد توالت رسائل خادم الحرمين الشريفين باستيعاب مدارس أهل السنة والجماعة لتشكيل هوية الوطن وصياغة الخطاب الديني, ولكن ما زال بعض المسؤولين الشرعيين عاجزين عن فهم هذه الرسائل واستيعابها وتنفيذها, فتصدر منهم التصرفات المتناقضة مع رسالة خادم الحرمين الشريفين.
الشيخ أحمد البوعلي: متفائل بهذه الخطوة وبهذا المركز وسيسهم في تخفيف حدة الصراع لاسيما وان بلادنا بلد العلم ومئزر الاسلام وقيادتها حريصة على استتباب الامن في العالم وعندنا مخزون ثقافي مؤهل لريادة العالم.
***
المشاركون في الحوار:
* الدكتور عبدالإله بن حسين العرفج: أستاذ التعليم الإلكتروني المشارك بجامعة الملك فيصل وأستاذ الفقه الشافعي بالأحساء
* الشيخ أحمد بن حمد البوعلي: امام وخطيب جامع آل ثاني بالهفوف وعضو المجلس البلدي بالأحساء
* الدكتور محمد علي الهرفي: أستاذ الأدب والنقد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالأحساء سابقا وكاتب صحفي
* الدكتور صادق محمد الجبران: محامي ومستشار قانوني وشرعي، مهتم وناشط في الحوار الإيجابي بين المذاهب الإسلامية.
* الدكتورة أمل عبدالله الطعيمي: أستاذ الأدب العربي المساعد بجامعة الدمام وكاتبة صحفية
* علي حسن المستنير : عضو هيئه حقوق الإنسان سابقا
* الشيخ عادل بوخمسين : إمام وخطيب أحد مساجد الأحساء وراعي منتدى بوخمسين الثقافي
* محمد حسين : الحرز ناقد وشاعر وكاتب زاوية أسبوعية في صحيفة الشرق