الأول من الميزان من كل عام، تعلن المملكة العربية السعودية فيه احتفاليتها باليوم الوطني، يوم يجسد ذكرى توحيد أجزاء المملكة إلى كيان واحد؛ يوم تعاد فيه الأذهان وخاصة أذهان الشباب لحقبات الجهاد والتضحية، ليتذكر من يتذكر سيرة البطل المجاهد المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله ومعه أولئك النفر، الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه حتى أبلوا مع الملك الإمام - طيب الله ثراه - بلاءّ حسناً وقدموا التضحيات في سبيل الله ورفع راية التوحيد، التي جعلها المؤسس هدفاً رئيساً لجهاده حتى تحقق النصر له وتوحدت أطراف البلاد بعد الشتات والفرقة، وحينما تحتفل الدول والأمم والشعوب المتحضرة بيومها الوطني؛ فإنها تحتفل به بطريقة حضارية وممتعة، تعد البرامج التي تتناسب مع قيمة هذا اليوم، ولا شك أن الوطن يستحق الاحتفال حين يصل إلى مساحات الفخر والاعتزاز والمجد، فأول ما يكون الحمد والشكر للمنعم جل جلاله، ويكون الاعتزاز بالانتماء للوطن والسعادة بالولاء له، تتوق الأنفس لهذا اليوم المجيد لتعبر بطريقة حضارية عن فرحتها به، تعود للوراء وتستحضر البطل المؤسس وجنوده، وكأنهم يشاركون الوطن تلك الفرحة، لكن هل نعتقد جميعا يا ساده يا كرام، أن هؤلاء الأبطال الذين قدموا التضحيات حتى أهدونا وطناً موحداً ننعم قيه، فيما لو كانوا بيننا اليوم، هل سيروق لهم ما يشاهدونه من سلوكيات احتفالية مشينة يندى لها الجبين؟ هل التعبير عن الفرحة يكون بالتعدي على الممتلكات والخروج عن الآداب العامة؟ دعوني صريحاً معكم، كيف نحتفل بهذا اليوم المجيد في السنوات الأخيرة؟ ماذا حدث في الخبر قبل العام الماضي من إتلاف ممتلكات وغيرها؟ ماذا حدث العام الماضي في شارع التحلية بالرياض وغيره، وماذا حدث في كورنيش جدة العام الماضي، تعطيل للحركة المرورية، نساء خرجن عن الآداب العامة، أصيبت الحركة المرورية بشلل تام في أغلب الشوارع، لا سيما في الرياض، لقد بينت الصور في مواقع التواصل الاجتماعي والمشاهد على الطبيعة، أن النظام في حقيقته ليس له قيمة واعتبار عند أولئك الشباب المتهورين، وأظهرت هذه المشاهدات هوس وتهور المراهقين والطائشين من الذكور والإناث بالاحتفال والاحتفاء دون إدراك وفهم جيد لسبب هذا الاحتفال والغرض منه، تكرمت الدولة باعتبار اليوم الوطني يوم إجازة لجميع العاملين بها، ليشعر المواطن بقيمة هذه المناسبة ويستشعر أهميتها، ويستحضر الجميع ذلك البطلوجنوده، لكن وللأسف الشديد فهمها البعض من الشباب بالمقلوب! بل ظن البعض أنه يوم لفسخ الأخلاق والحياء والتحرر من الضوابط والقيم الاجتماعية ومضايقة عباد الله وتعطيل مصالحهم، فحدثت ممارسات غير مقبولة وغير مشروعة البتة، وتكررت مخالفات محظورة، يجب أن تعلمنا تلك المشاهدات والممارسات الخاطئة في اليوم الوطني أن نواجهها بالتنظيم والضبط والحزم فنستفيد مما حدث مستقبلاً عند الاحتفال به، كي لا يتحول يوم الوطن إلى عبء على الوطن وأهله تغتال فيه جمال فرحة الوطن والمواطنين، ما يحدث من تجاوزات وتجمعات وفوضى في اليوم الوطني من البعض، يستحق الدراسة - تلوين السيارات، وصبغ الوجوه، ولبس الباروكات الغريبة، ومسك الأعلام وخاصة (علم المملكة وإساءة استخدامه وهو يحمل كلمة التوحيد) وركوب السيارات بطرق غير سليمة، وكذا الدراجات النارية بطرق خاطئة ومزعجة، والتفحيط، وترديد شعارات تهمش النظام ولا تلقي له بالاً، ونساء بحركات فاتنة، كل ذلك أساليب غير حضارية ولا تليق بمجتمعنا المسلم والمحافظ، شاهدت العام الماضي بعض الشباب وهم يقفون بسياراتهم في وسط أحد الشوارع العامة وينزلون منها للرقص على سطحها معطلين حركة السير، بين مخرج 5 و6 في الدائري الشمالي بالرياض وبعد صلاة العصر مباشرة في اليوم الوطني، شاب طائش متهور رأسه كأنه شجرة سدر، سيارته متوشحة باللون الأخضر ورافع الأعلام من كل جانب وصوت صاخب ومرتفع لمسجل سيارته، فقد السيطرة عليها، فإذا بها بجواري، قلت في نفسي ما هذا؟ هذا الشاب المتهور كاد أن يتسبب بحادث شنيع لأكثر من عشرين سيارة عطلت السير أكثر من نصف ساعة، نتيجة احتفاليته باليوم الوطني بهذه الطريقة، والسؤال الذي يطرح نفسه، ماذا لو كان هناك مريض في حالة حرجة ويرغب أهله في إيصاله للمستشفى أو امرأة في حالة ولادة؟ ألا ترون أن سلوكيات هؤلاء الشباب تفتقد للإنسانية بمفهومها البسيط جداً؟ بسبب فقدانهم لهموم الآخرين واحتياجاتهم، ونحن أمام هذه السلوكيات الخاطئة من هؤلاء الشباب من الجنسين، والمتكررة في كل مناسبة احتفال سواء كان لليوم الوطني أو فوز المنتخب، والتي يتفاقم ويستفحل أمرها حيناً بعد حين، يا ترى ما أسباب ذلك؟ هل نقف متفرجين، عاجزين عن حل هذه المعضلة؟ ألا ترون معي أن ثمة محرك له دور في شحن هؤلاء المتهورين؟ من وجهة نظري، على الإعلام دور كبير في كيفية تهيئة النفوس لهذه المناسبة، ماذا لو حددت الإستادات الرياضية إبارياً لمثل هذه المناسبات، وسنت عقوبات صارمة لمن يتجاوز هذه الأماكن المحددة ولا يكتفى بكلمة (ممنوع) الممطوطة، التي فهمت بالمقلوب واعتبرها البعض - كالسنّة - التي يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها؟!ّ ألا يخشى البعض أن يغير الله علينا والحال تلك؟ إنها دعوة مواطن، لأهل الحل والعقد وأصحاب الفكر، لتدارك عواقب هذا الأمر على الوطن والوقوف في وجهه بحزم... ودام عزك يا وطن.
dr-al-jwair@hotmail.com