|
مع أنه أُتيحت لي زيارة عدد من دول العالم، وفي المقدمة الولايات المتحدة الأمريكية، وبلجيكا، وتركيا، وماليزيا، ومعظم الدول العربية، فلم أغفل زيارة مناطق المملكة كل صيف بصحبة أسرتي الصغيرة، وتحققت لي بعون الله وتوفيقه زيارة مناطق المملكة الثلاث عشرة.
هذه الزيارات لمناطق المملكة على مدى سنوات لعلها تزيد على الخمس عشرة سنة أتاحت لي اكتساب ثقافة جغرافية وتاريخية واجتماعية مهمة للغاية تفوق - ربما - ما حصلت من معلومات عنها من خلال الكتب أو الصحف!
وهذا التجوال في مناطق المملكة العربية السعودية المترامية الأطراف المتنوعة التضاريس تتنقل فيها من أماكن مقدسة، إلى مصائف خلابة، وشواطئ ساحرة، وصحاري لافتة، وآثار عريقة جعلني دائم التأمل في هذا الكيان العظيم الذي يحتل موقعاً فريداً على مستوى العالم، متسائلاً: كيف تسنى للقائد الملهم والمؤسس المؤمن الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيّب الله ثراه أن يوحّد هذه الأقاليم الممزّقة، وأن يلم شمل القبائل المتناحرة، وأن يؤسس لبناء دولة حديثة ما لبثت أن انتزعت اعتراف دول العالم بها في الشرق والغرب دولة ذات سيادة: تحتضن الحرمين الشريفين، وتتطلع إلى ممارسة دورها الإسلامي والعربي بقوة من خلال الانضمام إلى جامعة الدول العربية والأمم المتحدة وسواهما من منظمات تُعنى بالسلام والاستقرار العالمي.
هذا المنجز الكبير الذي حقّقه الملك عبدالعزيز - رحمه الله - بتوفيق من الله عزَّ وجلَّ أولاً، ثم بإيمانه وقوة عزيمته وصدق رجاله، ثم احتفالنا عام 1419هـ بمناسبة مرور مئة عام على تأسيس هذا الكيان على يد المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز، واحتفاؤنا كل عام في الأول من الميزان المصادف للثالث والعشرين من سبتمبر بذكرى اليوم الوطني تأكيد على اعترافنا بجميل المؤسس الملك عبدالعزيز ورجاله من أبناء هذا البلد الكريم، وإعلان للبهجة والسرور التي تعم كل فرد من مواطني هذا البلد الكريم بمناسبة حلول هذا اليوم المجيد الذي نتذكر فيه بفخر واعتزاز جهود المؤسس الملك عبدالعزيز - رحمه الله - وجهاده وتفانيه في تأسيس هذا الكيان الكبير، وتوحيد أطرافه باسم المملكة العربية السعودية عام 1351هـ/ 1932م.
وإذا كان المؤسس - رحمه الله - قد غادر دنيانا الفانية إلى الدار الباقية منذ نحو ستين عاماً، فلقد واصل أبناؤه البررة: سعود بن عبدالعزيز فتولى الحكم من (1373-1384هـ)، وفيصل بن عبدالعزيز (1384-1395هـ)، وخالد بن عبدالعزيز (1395-1402هـ)، وفهد بن عبدالعزيز (1402-1426هـ) رحمهم الله جميعاً، فلقد بذلوا كل ما في وسعهم للمحافظة على هذا الكيان والذود عن حياضه والتضحية من أجله، وخدمة شعوبهم والسهر على راحتهم، وتأمين سبل العيش الكريم لهم.
ومنذ العام 1426هـ تبوأ عرش المملكة العربية السعودية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- ليكون بذلك الملك السادس من ملوك هذا البلد الكريم، مواصلاً المسيرة، مستلهماً سيرة والده العطرة، ومقتفياً أثر إخوته الملوك من قبله في سياسة ثابتة تنتهج العمل بكتاب الله عز وجل، وسنة رسوله المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام، وتنشد الإصلاح والتطوير، وتتطلع إلى الإسهام في كل ما من شأنه دعم الأمن والسلام والاستقرار في العالم بشكل عام، وفي المنطقة العربية والإسلامية بشكل خاص.
ولقد تميز عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله حفظه الله ورعاه - رغم قصر المدة - بمنجزات مذهلة على الصعيد العالمي والعربي والمحلي، وكان أكبرها أثراً على المستوى المحلي النقلة الكبيرة في المشروعات الحيوية التي عمت مناطق المملكة كافة، وأبرزها ارتفاع رقم الجامعات من ثمان إلى أكثر من عشرين جامعة، وآخرها الأوامر الملكية والقرارات التي صدرت عقب عودته من رحلته الاستشفائية في مستهل عام 1432هـ، واستهدفت التخفيف على المواطنين وبث روح الفرح في نفوسهم، وعمت شرائح المجتمع كافة، بما فيهم المبتعثون خارج المملكة، ولقيت أصداء واسعة، وجعلت الجميع يلهجون بالدعاء له.
وفي خضم الأحداث السياسية غير المسبوقة التي طالت بلداناً عربية عديدة، كانت المملكة العربية السعودية - ولله الحمد والمنة - بمنأى عن ذلك تحتفل بعودة قائدها وتؤكد الولاء له وحبه المتغلغل في قلوبهم، وفشلت كل المحاولات الدنيئة التي تزعمها خفافيش الانترنت داعية للخروج على ولاة الأمر بمظاهرات شبيهة بما يحصل في بعض البلدان المضطربة، وهذا يدعونا إلى أن نوطد أواصر اللُحمة بيننا وبين القيادة في كل مناسبة، وأن نقطع الطريق على كل المتربصين بنا الدوائر، وأن نحذر كل الحذر من بعض أبناء جلدتنا الذين يمدون أيديهم إلى الآخرين في خيانة واضحة وضوح الشمس للوطن، ومن الأمثلة على ذلك ما قرأنا عن استعانة بعض النساء بسيدة أمريكية ذات نفوذ للتأثير في قرار قيادة المرأة لدينا، وهو نموذج للخيانة الوطنية بكل تأكيد!
ومن منطلق «وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم..»، فإن هذه الأحداث السياسية التي مرت بها الدول العربية المجاورة وغير المجاورة تدعونا إلى تأمل واقعنا والتفكير في مستقبلنا، فلقد انكشف الخونة في الفضائيات والانترنت، وعرفنا عدونا من صديقنا، ومن هنا فإن علينا أن نتمسك بوحدتنا وتلاحمنا وتقاربنا، وأن نحذر كل الحذر من الذئاب التي تتربص بنا وتحاول بمعسول من القول أن تقضي على تماسكنا وقوتنا، وأن تفضي بنا إلى فوضى ما تلبث أن تحرق الأخضر واليابس، وتدخلنا في دوامة الفقر والجهل والمرض والتمزق، وتعيدنا إلى ما قبل تأسيس هذا الكيان وما قبل توحيده، وهو ما يجعل ذكرى اليوم الوطني مناسبة سنوية نتذكر فيها ماضينا وحاضرنا متطلعين إلى مستقبلنا بروح واحدة وعزيمة واحدة وتحت راية واحدة.
حفظ الله هذا الكيان من كل سوء، وحفظ الله لنا قائدنا ووالدنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، وصاحب السمو الملكي الأمير أحمد بن عبدالعزيز وزير الداخلية، حفظهم الله جميعاً وأبقاهم ذخراً لهذا الوطن العزيز، وكل عام والوطن والمواطنون بألف خير.
- نائب رئيس النادي الأدبي بالرياض